العلاقات الداخلية للعالم الاسلامي
لقد نجح معاوية بن أبي سفيان في جمع شمل الأمة الإسلامية فأقام دولة قوية استطاع أن يبدأ بها مرحلة خطيرة في العلاقات الدولية والتي كان قطباها حينذاك الدولة الأموية والدولة البيزنطية ولعل الميزة الأساسية التي ميزت العصر الأموي هي وجود فاعل إسلامي واحد وهو الدولة الأموية وانعدام وجود أنساق إسلامية فرعية تدخل في علاقات تفاعل مع أطراف غير إسلامية إلا أن الدولة العباسية شهدت منذ سنواتها الأولى ظهور وانفصال واستقلال ولايتها في المغرب الإسلامي، ثم شهدت هذه الدولة ظهور المراكز المستقلة في المشرق الإسلامي القريب من مركز الخلافة بنشأة الدولة الظاهرية وتلي ذلك ظهور العديد من الأطراف الإسلامية في الفترات المتعاقبة من التاريخ الإسلامي وهي إما أطراف مستقلة اسميا أو فعليا عن الفترات المتعاقبة من التاريخ الإسلامي فشهد العصر العباسي وجود دولة الأغالبة والأدارسة والحفصيين والدولة الطولونية والأخشيدية والحمدانية والسلاجقة والفاطمية وشهد العصر المملوكي ظهور الإمارة ثم الدولة العثمانية ودويلات الأندلس وشمال أفريقيا ودول المغول بعد إسلامهم والصفويين كما شهد العصر العثماني وجود الصفويين ثم القاجاريين والمغوليين في الهند وإمارات آسيا الإسلامية والدولة السعدية والعلويين، وشهدت الفترة التالية لسقوط الخلافة العثمانية تعدد الدول الإسلامية بعد استقلالها على النحو الذي نعرفه الآن في عالمنا المعاصر والتساؤل الذي نطرحه هنا ودون الدخول في التفاصيل الموضحة في الأقسام السابقة من هذا الكتاب هو ما هي الأنماط العامة التي ميزت العلاقة بين هذه الأطراف الإسلامية في تفاعلها مع بعضها البعض بصفة خاصة خلال الفترة الممتدة من الدولة الأموية وحتى سقوط الخلافة العثمانية، حيث شهدت هذه المرحلة ازدهار وتدهور الطرف الإسلامي كأحد القوى الفاعلة في النظام الدولي كما شهدت تنامي درجة اللامركزية ثم التعددية بينما شهدت الفترة التالية لسقوط الخلافة العثمانية تكريسا لمظاهر التدهور الذي وصلت إليه الأطراف الإسلامية في هيكل النظام الدولي وخاصة مظاهر الانقسام والتجزئة.
إن متابعة تطور أنماط التفاعل الإسلامي- الإسلامي عبر الفترة السابق الإشارة إليها يشير إلى أربع نتائج أساسية:
إن تعاون الأطراف الإسلامية ترتبت عليه نتائج إيجابية في دعم موقف هذه الأطراف في مواجهة الأطراف غير الإسلامية وبالتالي ساهم في تدعيم قوة الطرف الإسلامي المركزي والمقصود بالأطراف هنا إما دول مستقلة اسميا عن المركز الإسلامي الرئيسي أو دول شبه مستقلة عنه فضلا عن المركز ذاته أو الدول الإسلامية المستقلة عنه فعليا.
ويمكن الإشارة هنا على سبيل إلى الآثار الإيجابية المترتبة على قيام الدولة الطاهرية في العصر العباسي الأول فلقد احتفظ الطاهريون بعلاقات ممتازة مع الدولة العباسية فلم يترتب على قيامها إضعاف المركز عن طريق شغله بصراعات معهم بل أنهم دعموا قوة الدولة العباسية لقيامهم بدو صمام الأمن في الأقاليم الشرقية حيث تولوا نيابة عن المركز مهمة حفظ الاستقرار في تلك المناطق الهامة للدولة.
كما ساهم تحالف المماليك مع المغول المسلمين في دعم القوة الإسلامية فلقد اعتقد مغول القبيلة الذهبية أن أمنهم يرتبط بالتحالف مع مصر وكان التحالف مع هذه القبيلة ركنا أساسيا من أركان السياسة المملوكية لموازنة تحالف الصليبيين مع مغول إيران وهو ما تبلور بوضوح في التحالف بين بركة خان وقطز ثم بيبرس وبين خلفاء بركة خان وبيبر وقلاوون وساهمت العلاقات المملوكية المغولية في فشل أوروبا في أحد أهم أساليبها الصليبية الجديدة وهو تنصير المغول.
- إن الأطراف الإسلامية فشلت في بعض الفترات التاريخية في مناصرة أطراف إسلامية أخرى على النحو الذي حدد من فعالية دور القوى الإسلامية في النظام الدولي وفي أطراف غير إسلامية.
الأمر الذي ترتب عليه تحقيق الطرف غير الإسلامي لمكاسب كبيرة على حساب الطرف الإسلامي ولقد ارتبط غياب المساندة والمناصرة بعدد من العوامل منها تدهور الأوضاع في مركز الخلافة والصراعات بين الأطراف الإسلامية وطبيعة علاقتها بالأطراف غير الإسلامية، وحدود القدرات العسكرية الإسلامية. فلم يستطع الحمدانيون الصمود أمام البيزنطيين لتحملهم وحدهم ولسنوات طويلة عبء التصدي لضربات قوية
متصلة من قوة دولية عظمى دون مساندة من المركز الذي وصل إلى أدنى تدهور بسيطرة بني بوية عليه ولا من السيطرة العثمانية.
- إن الصراعات بين الأطراف الإسلامية اتخذ مظهرين رئيسيين الدخول في تحالفات مع طرف غير إسلامي ضد طرف إسلامي والصدام العسكري المباشر بين هذه الأطراف.؟