بقلم الدكتور عبد الرزاق قسوم
تقزم كل شيء في الجزائر بعد أن كان كبيرا، وما ذلك إلا لأن الإنسان، الذي هو الضامن لكل تشييد وبناء، قد تقزم هو الآخر بعد أن كان عملاقا في عهد الجهاد والثورة. فالمفاهيم الكبرى، التي تبني الوطن، وتخلد معنى الزمن، قد صغرت، عندما أفرغت من محتوياتها، واغتيلت مبادئها، وكل معطياتها.
إن الوطنية، والانتماء الحضاري، والثورية والهوية، والبناء المعماري، والجهاد والتدين، وتوحيد الشمال مع الصحاري، كلها أضحت مقولات خاضعة لحاله الطوارئ. يحدث هذا في الجزائر، عندما اهتزّت منظومتها التربوية، واضطربت بنيتها الاجتماعية، واستبد ـ في البناء الاقتصادي البعض بالنصوص ـ فدخل اللصوص.
فالمؤسسة التربوية، من الحضانة إلى الجامعة تخلت عن الأسس المضادة للزلازل الحضارية، كالأخلاق، والتاريخ والجغرافيا، فأصبح الداخل إليها مفقودا، والخارج منها مولودا، ولكن أية ولادة. إن من المسلم به أن الأخلاق هي الاسمنت الذي يشد التاريخ والجغرافيا، وهما الحديد البشري الذي به يقام صرح الأوطان، ويثبت معنى الإنسان والبنيان. فيوم تخلينا عن التاريخ الذي هو العلم الممتد ـ عموديا ـ في بناء الإنسان وأخضعناه للجدل البيزنطي وحصرناه في سؤال كسؤال، من نحن؟ أو من نكون؟ ما هي أصولنا؟ وبأية ثقافة نأخذ؟ ومن أية نافذة يكون التنفس والمنفذ؟ عندها بدأت الأزمة.
وكذلك فعلنا بالجغرافية، التي هي العلم الذي يمتد ـ أفقيا ـ في قاماتنا، فيعلى هاماتنا الإنسانية، ويعمق مساحاتنا الوطنية، لقد لونّا خارطتنا الجغرافية بلون الجهوية السوداوية، والعصبية الطوباوية، والعنصرية الانفصالية، فأصبحنا مهددين في وحدتنا الوطنية.
والحقيقة أن ما يحدث، من راهن قاتم السواد نعيشه ـ اليوم ـ في جزائرنا الحبيبة، إن هو إلا تجسيد لنتائج خطيرة صنعتها مقدمات فاسدة. ومن المقدمات الخاطئة التي بنينا عليها منظومتنا، استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، فقد تخلّينا عن لغة الضاد والجهاد والبلاد، وهي لغتنا العربية، لغة القرآن والإيمان، ووضعنا بدلها لغة الدخيل والعميل، والإنجيل... فماذا ننتظر بعد كل هذا؟
ومن المقدمات الفاسدة أيضا، أننا أصبحنا نعلم ـ في المدرسة ـ ولا نربي، فابتلينا بالتلميذ الذي يعتدي على معلمته، وبالطالب الذي يقتل أستاذه، وبالأستاذ الذي يعتدي على تلميذته، فضلا عمن يقتل أمه، ويغتال أباه أو أخاه، ولا تسأل عن زنا المحارم، والسطو على المغارم، وتفشي المظالم في كل المعالم.
ومن المقدمات الفاسدة، تشويهنا لمعنى التاريخ، في عقول الأجيال، فأخرجنا للناس جيلا يكفر بالتاريخ ويطالب بوضعه في المزبلة، ولا يفقه من تاريخ بلاده قيد أنملة، وكان ذلك هو فتح الصراع مع الأصالة، وعلم الانتماء. فهل يعقل أن نأتمن مثل هذا الجيل على مستقبل الوطن، وهو الفاقد للأخلاق والوطنية، وإن فاقد الشيء لا يعطيه كما يقولون.
وتعال معي أيها القارئ العزيز إلى أطلس الجغرافيا، لنشهد العجب العجاب، فقد قزمنا معنى الجغرافية الوطنية إلى، معنى الجهة، فالقرية، فالقبيلة، وأصبح الوطن بالنسبة لكل واحد، هي رقعة ضيّقة، لا تتعدى مساحة علبة الكبريت، فكيف نعجب بعد كل هذا، من أن يخرج من أصلاب مناطق منا، من يطالب بالانفصال وإعلان الاستقلال.
إنها والله للحالقة، وإنها لعلامة من علامات قيام الساعة في الجزائر، إذ يجرؤ من يقدم على هذه الكبيرة من الكبائر الوطنية. إننا نبرؤ إلى الله وإلى التاريخ، مما يفعله بعض السفهاء منا، الذين يتجرأون على إتيان المحرمات، ولا يقابلون برد فعل، من دعاة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرات.
إن صراعنا مع التاريخ والجغرافية، هو صراع ذو أبعاد مختلفة، فهو من حيث الأسباب، يقوم على عناصر ثقافية، واجتماعية، وأخلاقية، وهو أيضا ذو أبعاد إيديولوجية تغريبية، خارجية، تضمر كل حقد وكل كراهية لوطننا وشعبنا، ولكنه من حيث منهجية العلاج، ينبغي أن تتصدى له كل أصناف المجتمع، وقواه الحية من علماء ومجاهدين، وشباب، وحرائر، لأن الجرح قد أصابنا في الحجر، كما يقول مثلنا الشعبي، والمسؤولية الكبرى ـ في كل هذا ـ تقع على كامل أنحاء الوطن عموما، وعلى منطقة القبائل خصوصا، هذه القطعة العزيزة من الوطن الغالي، التي كتبت بمداد من ذهب، سجل التاريخ الثقافي والجهادي، فهي التي أحبت لغة الضاد بفضل علمائها، وهي التي أصّلت للجهاد بفضل زعمائها، وهي التي عمّقت معنى التاريخ والجغرافيا بفضل شهدائها.
فإذا ذكرت العربية، ذكر ابن معطي الزواوي، صاحب الألفية. وإذا ذكر التاريخ، ذكر المقراني، وبوعمامة، والحداد، ولالا فاطمة أنسومرية. وإذا ذكرت الجغرافية، أتى استشهاد عميروش والحواس، جنبا إلى جنب، فأبيا إلا أن يذكرانا بالمعركة البطولية والموقعة الجغرافية.
إن الصراع مع التاريخ والجغرافية، الدائر اليوم، على أكثر من صعيد في وطننا، يجب أن يكون الملهم لحكومتنا، في أن تعمل على استئصال أسباب الشر، فتقتلعها من جذورها، وأولى الخطوات، تبدأ باستعادة الذات المفقودة، فتعرّب الألسن والمحيط، كخطوة أولى لتوحيد الشعب عقليا ونفسيا، ثم تعمد إلى المنظومة التربوية، فتعمل على أخلقتها، بضخ برامجها بالقيم الإنسانية النبيلة التي تلتقي على أكثر من صعيد مع القيم الإسلامية الجليلة.
ثم تعمد إلى علمي التاريخ والجغرافية فنخلصهما أولا من بعض السماسرة، في السياسة، أو في الأيديولوجية العنصرية، وتعيد بناءها على القواعد العلمية والوطنية الصحيحة، فما وحدته يد الله، لا يمكن أن تفرقه يد البشر، ولا نعرف من تاريخ وحد شعبنا، إلا تاريخ الإسلام، ولا نعرف من جغرافية وحدته، إلا جغرافية الوطن الجزائري.
يجب أن يدرك الجميع، أن دائرة المؤامرة على الوطن، هي أوسع مما نتصور، وأن الوحدة الوطنية، هي وديعة العلماء والمجاهدين والشهداء في أعناقنا، فإذا لم نصنها، ولم نذد عنها، نكون ـ إذن ـ قوما خاسرين.
على أن كل مواطن، وكل مواطنة في هذا الوطن، من الجدّة والجد، إلى الحفيدة والحفيد، كلهم مسؤولون عن وعي التاريخ، والجغرافيا لتعزيز الوحدة الوطنية، وصلابتها لنواجه بها، أطماع الطامعين، وأغراض المغامرين.
لقد وحدنا الاستعمار بظلمه، وقمعه، فمن العار أن يفرقنا الاستقلال بعدله ونبله. إن كل أنواع الجروح يمكن أن تندمل فجرح الفقر، وجرح السكن، وجرح البطالة وما أشبهها، يمكن أن تندمل في ظل الوحدة الوطنية، إلا جرح تمزيق الوطن وبتر أيّ جزء منه، فإنه سيكون الجرح الذي يودي بالوطن كله، فحذار... ثم حذار.
إن أسلافنا من علماء، ومجاهدين، وشهداء، ينظرون إلينا من علياء جنتهم، وفردوس خلودهم، ماذا نحن فاعلون لهذا الوطن، الذي وهبه الله، كل النعم، نعمة الجغرافية، ونعمة التاريخ، ونعمة الإنسان؟ وإنه ليحز في قلوبنا أن نرى هذه النبال التي تصوب إلى جسم وطننا الهش، من الأباعد والأقارب. فهل نرضى بهذا، ونظل مكتوفي الأيدي أمام هذه العدوانية الغاشمة؟
إن التاريخ قد فتح سجلاته، وصحائفه، فلنسجل فيها بمداد الرجولة والفحولة والبطولة، مكرمة إنقاذ وحدة الوطن، بعد أن فاتنا تسجيل مكرمة عدله، واستقراره، وازدهاره. إننا نملك القدرة على ذلك، ولدينا كل الإمكانيات، بشرط أن تخلص النوايا، وأن تطهر الصفوف من المفسدين، والوصوليين، والانتهازيين، فالوطن لا يبنيه إلا المخلصون، ولا يحميه إلا المجاهدون، ولا يدافع عن ثوابته ووحدته إلا الوطنيون.
ورحم الله إبراهيم طوقان في قوله:
أفنيت يا مسكين عمرك في التأوه والحزن
وقعدت مكتوف اليدين، تقول جارني الزمن
ما لم تقم بالعبء أنت، فمن يقوم به إذن؟
تقزم كل شيء في الجزائر بعد أن كان كبيرا، وما ذلك إلا لأن الإنسان، الذي هو الضامن لكل تشييد وبناء، قد تقزم هو الآخر بعد أن كان عملاقا في عهد الجهاد والثورة. فالمفاهيم الكبرى، التي تبني الوطن، وتخلد معنى الزمن، قد صغرت، عندما أفرغت من محتوياتها، واغتيلت مبادئها، وكل معطياتها.
إن الوطنية، والانتماء الحضاري، والثورية والهوية، والبناء المعماري، والجهاد والتدين، وتوحيد الشمال مع الصحاري، كلها أضحت مقولات خاضعة لحاله الطوارئ. يحدث هذا في الجزائر، عندما اهتزّت منظومتها التربوية، واضطربت بنيتها الاجتماعية، واستبد ـ في البناء الاقتصادي البعض بالنصوص ـ فدخل اللصوص.
فالمؤسسة التربوية، من الحضانة إلى الجامعة تخلت عن الأسس المضادة للزلازل الحضارية، كالأخلاق، والتاريخ والجغرافيا، فأصبح الداخل إليها مفقودا، والخارج منها مولودا، ولكن أية ولادة. إن من المسلم به أن الأخلاق هي الاسمنت الذي يشد التاريخ والجغرافيا، وهما الحديد البشري الذي به يقام صرح الأوطان، ويثبت معنى الإنسان والبنيان. فيوم تخلينا عن التاريخ الذي هو العلم الممتد ـ عموديا ـ في بناء الإنسان وأخضعناه للجدل البيزنطي وحصرناه في سؤال كسؤال، من نحن؟ أو من نكون؟ ما هي أصولنا؟ وبأية ثقافة نأخذ؟ ومن أية نافذة يكون التنفس والمنفذ؟ عندها بدأت الأزمة.
وكذلك فعلنا بالجغرافية، التي هي العلم الذي يمتد ـ أفقيا ـ في قاماتنا، فيعلى هاماتنا الإنسانية، ويعمق مساحاتنا الوطنية، لقد لونّا خارطتنا الجغرافية بلون الجهوية السوداوية، والعصبية الطوباوية، والعنصرية الانفصالية، فأصبحنا مهددين في وحدتنا الوطنية.
والحقيقة أن ما يحدث، من راهن قاتم السواد نعيشه ـ اليوم ـ في جزائرنا الحبيبة، إن هو إلا تجسيد لنتائج خطيرة صنعتها مقدمات فاسدة. ومن المقدمات الخاطئة التي بنينا عليها منظومتنا، استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، فقد تخلّينا عن لغة الضاد والجهاد والبلاد، وهي لغتنا العربية، لغة القرآن والإيمان، ووضعنا بدلها لغة الدخيل والعميل، والإنجيل... فماذا ننتظر بعد كل هذا؟
ومن المقدمات الفاسدة أيضا، أننا أصبحنا نعلم ـ في المدرسة ـ ولا نربي، فابتلينا بالتلميذ الذي يعتدي على معلمته، وبالطالب الذي يقتل أستاذه، وبالأستاذ الذي يعتدي على تلميذته، فضلا عمن يقتل أمه، ويغتال أباه أو أخاه، ولا تسأل عن زنا المحارم، والسطو على المغارم، وتفشي المظالم في كل المعالم.
ومن المقدمات الفاسدة، تشويهنا لمعنى التاريخ، في عقول الأجيال، فأخرجنا للناس جيلا يكفر بالتاريخ ويطالب بوضعه في المزبلة، ولا يفقه من تاريخ بلاده قيد أنملة، وكان ذلك هو فتح الصراع مع الأصالة، وعلم الانتماء. فهل يعقل أن نأتمن مثل هذا الجيل على مستقبل الوطن، وهو الفاقد للأخلاق والوطنية، وإن فاقد الشيء لا يعطيه كما يقولون.
وتعال معي أيها القارئ العزيز إلى أطلس الجغرافيا، لنشهد العجب العجاب، فقد قزمنا معنى الجغرافية الوطنية إلى، معنى الجهة، فالقرية، فالقبيلة، وأصبح الوطن بالنسبة لكل واحد، هي رقعة ضيّقة، لا تتعدى مساحة علبة الكبريت، فكيف نعجب بعد كل هذا، من أن يخرج من أصلاب مناطق منا، من يطالب بالانفصال وإعلان الاستقلال.
إنها والله للحالقة، وإنها لعلامة من علامات قيام الساعة في الجزائر، إذ يجرؤ من يقدم على هذه الكبيرة من الكبائر الوطنية. إننا نبرؤ إلى الله وإلى التاريخ، مما يفعله بعض السفهاء منا، الذين يتجرأون على إتيان المحرمات، ولا يقابلون برد فعل، من دعاة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرات.
إن صراعنا مع التاريخ والجغرافية، هو صراع ذو أبعاد مختلفة، فهو من حيث الأسباب، يقوم على عناصر ثقافية، واجتماعية، وأخلاقية، وهو أيضا ذو أبعاد إيديولوجية تغريبية، خارجية، تضمر كل حقد وكل كراهية لوطننا وشعبنا، ولكنه من حيث منهجية العلاج، ينبغي أن تتصدى له كل أصناف المجتمع، وقواه الحية من علماء ومجاهدين، وشباب، وحرائر، لأن الجرح قد أصابنا في الحجر، كما يقول مثلنا الشعبي، والمسؤولية الكبرى ـ في كل هذا ـ تقع على كامل أنحاء الوطن عموما، وعلى منطقة القبائل خصوصا، هذه القطعة العزيزة من الوطن الغالي، التي كتبت بمداد من ذهب، سجل التاريخ الثقافي والجهادي، فهي التي أحبت لغة الضاد بفضل علمائها، وهي التي أصّلت للجهاد بفضل زعمائها، وهي التي عمّقت معنى التاريخ والجغرافيا بفضل شهدائها.
فإذا ذكرت العربية، ذكر ابن معطي الزواوي، صاحب الألفية. وإذا ذكر التاريخ، ذكر المقراني، وبوعمامة، والحداد، ولالا فاطمة أنسومرية. وإذا ذكرت الجغرافية، أتى استشهاد عميروش والحواس، جنبا إلى جنب، فأبيا إلا أن يذكرانا بالمعركة البطولية والموقعة الجغرافية.
إن الصراع مع التاريخ والجغرافية، الدائر اليوم، على أكثر من صعيد في وطننا، يجب أن يكون الملهم لحكومتنا، في أن تعمل على استئصال أسباب الشر، فتقتلعها من جذورها، وأولى الخطوات، تبدأ باستعادة الذات المفقودة، فتعرّب الألسن والمحيط، كخطوة أولى لتوحيد الشعب عقليا ونفسيا، ثم تعمد إلى المنظومة التربوية، فتعمل على أخلقتها، بضخ برامجها بالقيم الإنسانية النبيلة التي تلتقي على أكثر من صعيد مع القيم الإسلامية الجليلة.
ثم تعمد إلى علمي التاريخ والجغرافية فنخلصهما أولا من بعض السماسرة، في السياسة، أو في الأيديولوجية العنصرية، وتعيد بناءها على القواعد العلمية والوطنية الصحيحة، فما وحدته يد الله، لا يمكن أن تفرقه يد البشر، ولا نعرف من تاريخ وحد شعبنا، إلا تاريخ الإسلام، ولا نعرف من جغرافية وحدته، إلا جغرافية الوطن الجزائري.
يجب أن يدرك الجميع، أن دائرة المؤامرة على الوطن، هي أوسع مما نتصور، وأن الوحدة الوطنية، هي وديعة العلماء والمجاهدين والشهداء في أعناقنا، فإذا لم نصنها، ولم نذد عنها، نكون ـ إذن ـ قوما خاسرين.
على أن كل مواطن، وكل مواطنة في هذا الوطن، من الجدّة والجد، إلى الحفيدة والحفيد، كلهم مسؤولون عن وعي التاريخ، والجغرافيا لتعزيز الوحدة الوطنية، وصلابتها لنواجه بها، أطماع الطامعين، وأغراض المغامرين.
لقد وحدنا الاستعمار بظلمه، وقمعه، فمن العار أن يفرقنا الاستقلال بعدله ونبله. إن كل أنواع الجروح يمكن أن تندمل فجرح الفقر، وجرح السكن، وجرح البطالة وما أشبهها، يمكن أن تندمل في ظل الوحدة الوطنية، إلا جرح تمزيق الوطن وبتر أيّ جزء منه، فإنه سيكون الجرح الذي يودي بالوطن كله، فحذار... ثم حذار.
إن أسلافنا من علماء، ومجاهدين، وشهداء، ينظرون إلينا من علياء جنتهم، وفردوس خلودهم، ماذا نحن فاعلون لهذا الوطن، الذي وهبه الله، كل النعم، نعمة الجغرافية، ونعمة التاريخ، ونعمة الإنسان؟ وإنه ليحز في قلوبنا أن نرى هذه النبال التي تصوب إلى جسم وطننا الهش، من الأباعد والأقارب. فهل نرضى بهذا، ونظل مكتوفي الأيدي أمام هذه العدوانية الغاشمة؟
إن التاريخ قد فتح سجلاته، وصحائفه، فلنسجل فيها بمداد الرجولة والفحولة والبطولة، مكرمة إنقاذ وحدة الوطن، بعد أن فاتنا تسجيل مكرمة عدله، واستقراره، وازدهاره. إننا نملك القدرة على ذلك، ولدينا كل الإمكانيات، بشرط أن تخلص النوايا، وأن تطهر الصفوف من المفسدين، والوصوليين، والانتهازيين، فالوطن لا يبنيه إلا المخلصون، ولا يحميه إلا المجاهدون، ولا يدافع عن ثوابته ووحدته إلا الوطنيون.
ورحم الله إبراهيم طوقان في قوله:
أفنيت يا مسكين عمرك في التأوه والحزن
وقعدت مكتوف اليدين، تقول جارني الزمن
ما لم تقم بالعبء أنت، فمن يقوم به إذن؟