المقدمة:
شهد علم الخرائط تطورا سريعا خلال القرن العشرين، و ذلك نتيجة عوامل عديدة منها قيام الحربين العالميتين و تقدم العلوم الطبيعية و الاجتماعية التي تعني بالظاهرات المختلفة و بأنماط توزيعها على سطح الأرض ، مثل علوم الجيولوجيا و البحار و التربة و المناخ و الجغرافيا و الاقتصاد و السكان و السياسة و غيرها. فقد تطلبت العمليات الحربية ، و كذلك العلوم المختلفة تنوعا عظيما في استعمال الخرائط الدقيقة؛ الأمر الذي حث على تغيير أساليب الخرائط نفسها و تطوير الطرق الفنية في رسمها مثل انتشار طرق التصوير الجوي في العمليات المساحية، و تطور أساليب طباعة و نشر الخرائط، و كذلك تطور الأدوات و الأساليب الفنية المستخدمة سواء في عمليات المساحة أو الرسم.
و مع هذا التقدم العظيم تفرع علم الخرائط إلى فروع و تخصصات مختلفة؛ أهمها الفروع التي تتخصص في عمليات المساحة و إنشاء الخرائط الطبوغرافية و البحرية و الخرائط العسكرية بصفة عامة ، و هذه يقوم بها علماء خرائط (كارتوغرافيون) يعملون في أقسام المساحة سواء كانت تابعة لمصلح مدنية أو عسكرية في الدول المختلفة. و هناك أيضا علماء خرائط يتخصصون في أنواع مختلفة من الخرائط الخاصة (أو الخرائط الموضوعية) التي تصمم لتمثيل خصائص توزيع ظاهرة أو ظاهرات معينة في منطقة من المناطق ؛ مثل خرائط استخدام الأرض أو خرائط المناخ أو خرائط الظاهرات الاقتصادية و السكانية و العمرانية بكل أنواعها، و هذه كلها خرائط مفيدة في تحليل مشكلات و إمكانات المناطق المختلفة.و يهتم بهذا النوع من الخرائط مختلف الدارسين في العلوم الطبيعية و الاجتماعية، و منهم الجغرافيون بالطبع. فالدارسون في مثل هذه العلوم يتناولون الخرائط الأساسية (مثل الخرائط الطبوغرافية ) و يضيفون عليها علاقات جديدة و بيانات خاصة، و من ثم يصممون ما اصطلح على تسميته بشكل عام ‘‘خرائط التوزيعات’’ و هي الخرائط التي تعينهم خلال دراستهم العلمية على فهم و تفسير المركب الطبيعي و الاجتماعي على سطح الأرض.
و قد اهتمت دول العالم المختلفة خلال القرنين الماضيين برسم الخرائط لأراضيها، و كان هذا الاهتمام يختلف من دولة لأخرى على حسب تقدم عمليات و طرق المساحة في كل منها. ومما تجدر الإشارة إليه أن الحكومات في الدول هي الهيئات الوحيدة التي تقوم بنشر و إصدار الخرائط، أي أن رسم الخرائط يعتبر عملا رسميا تقوم به الحكومات دون الأفراد. ففي الجزائر مثلا ، الهيئة المكلفة برسم و طبع و توزيع الخرائط هي المعهد الوطني للخرائط، الكائن ببلدية حسين داي بالجزائر العاصمة.
تصنيف الخرائط :
يبدو من المستحيل أن نقوم بتصنيف دقيق لأنواع و استخدامات الخرائط الهائلة العدد. فقد تختلف استخدامات الخرائط من مجرد خريطة بسيطة نوقع عليها مظاهر تاريخية معينة مثل خريطة لمواقع الآثار الرومانية في الجزائر، إلى خريطة تفصيلية يحلل فيها المهندس العمراني خصائص المدينة و طريقة استصلاح أحيائها القديمة و تهيئة طرقها بحيث يجعلها تتلاءم مع تطورها الحالي و المستقبلي الخ… كذلك قد يختلف مقياس الرسم في الخرائط من خريطة للعالم كله في حجم صفحة الكتاب لتبين توزيع الصحاري مثلا، إلى خريطة بمقياس رسم كبير تبين جزءا صغيرا من مدينة أو حي من أحيائها لتبين مواقع بعض البنايات العمومية كالمستشفى أو الجامعة أو مقر البلدية الخ…
و هناك جهود كثيرة بذلت لتصنيف الخرائط؛ أكثرها دلالة هو ذلك التصنيف الذي يقوم على أساس القيمة النفعية للخرائط: مثل الخرائط الطبوغرافية و الخرائط الملاحية و الخرائط الاقتصادية و الخرائط التاريخية و غيرها من فئات الاستخدام المختلفة. إلا أن هناك، بإجماع علماء الخرائط و الجغرافيا، أساسين رئيسيين يمكن أن ينبني عليهما تصنيف ذلك العدد الهائل من الخرائط. و هذان الأساسان هما: مقياس الرسم، و مضمون أو محتوى الخريطة.
التصنيف على أساس مقياس الرسم:
الخريطة غالبا ما تكون أصغر بآلاف أو بملايين المرات من الجزء الحقيقي الذي تمثله من سطح الأرض. فهناك علاقة بين الأبعاد الخطية على الخريطة و ما يقابلها من أبعاد على الطبيعة، و يعبر عن هذه العلاقة بنسبة تسمى ‘‘مقياس الرسم’’. فمقياس رسم الخريطة إذن عبارة عن النسبة بين المسافات على الخريطة و ما يقابلها من مسافات حقيقية على الطبيعة.
و يجب أن نشير إلى أنه من العسير أن يكون مقياس رسم الخريطة صحيحا في كل الاتجاهات ذلك أن سطح الأرض ليس مستويا كسطح الورقة التي رسمت عليها الخريطة (راجع موضوع المساقط). و على العموم تلاحظ أن هناك خطأ في مقياس رسم الخرائط ذات المقياس الصغير ( أي الخرائط التي تمثل أجزاء كبيرة من سطح الأرض كالقارات مثلا على ورقة صغيرة الحجم )، بينما يتضاءل هذا الخطأ في الخرائط ذات المقياس الكبير ( أي التي تمثل مناطق محدودة أو صغيرة نسبيا من سطح الأرض )، كالخرائط الطبوغرافية مثلا.
و نظرا للاختلاف الكبير في مقاييس رسم الخرائط فإنه يمكن حصر هذا العدد في ثلاثة أنواع رئيسية من الخرائط.
الخرائط العالمية:
و تسمى هذه الخرائط أيضا بالخرائط المليونية ، لأن مقياس رسمها صغير، و يبدأ من مقياس 1000 1000 /1 فأصغر مثل 000 000 2 /1 أو 000 000 5 /1 أو000 000 10 /1 و هكذا. و تشمل هذه الفئة من الخرائط ك خرائط الأطالس العامة و خرائط الحائط للأقسام المدرسية مثل خريطة العالم أو خريطة قارة إفريقيا الخ... و توضح مثل هذه الخرائط الصورة العامة لسطح الأرض و شكل القارات و الحدود السياسية للدول و مواقع المدن و الموانئ الهامة. و نظرا لصغر مقياس هذه الخرائط فإن المدن و الموانئ و الحدود تظهر بشكل رمزي مثل الدوائر و الخطوط المتقطعة.
و يمكن أن نلاحظ أن هناك ثلاثة اختلافات تميز خرائط الأطالس عن الخرائط الطبوغرافية (الأكبر مقياسا) نوجزها فيما يلي:
يتمثل الاختلاف الأول في مقياس الرسم ، إذ نادرا ما يكبر مقياس رسم خرائط الأطالس عن 000 000 1/1بل هو في الغالب أصغر من ذلك بكثير و قد يصغر مقياس رسم خريطة العالم في الأطالس إلى حوالي
000 000 100/1 (لاحظ العلاقة العكسية بين مقياس الرسم العددي وبين كبر أو صغر مقياس الخريطة. فكلما كان مقام الكسر كبيرا كلما دل على مقياس صغير و العكس صحيح ، لأن مقام الكسر يدل على عدد المرات التي صغرت إليها الخريطة.) و يستلزم هذا التصغير الهائل فقدان كثير من التفاصيل في خرائط الأطالس.
و يتمثل الاختلاف الثاني في نظم التلوين التقليدية ، فهي أكثر استخداما في خرائط الأطالس.إذ يستخدم اللون الأخضر بدرجاته في خرائط الأطالس الطبيعية للدلالة على الأراضي المنخفضة ثم اللون البني بدرجاته المختلفة للدلالة على الأراضي المرتفعة.
أما الاختلاف الثالث فيتمثل في مسقط الخريطة. فلا شك أن اتساع المساحة التي تتضمنها خرائط الأطالس يثير مسألة مسقط الخريطة. صحيح أن تقوس سطح الأرض في مساحة صغيرة و محدودة تبينها الخريطة الطبوغرافية ، و هي خريطة كبيرة المقياس ، يبدو تقوسا طفيفا لدرجة تجعل مسألة المسقط غير مهمة نسبيا. و لكن تقوس الأرض يبدو عظيما جدا عندما نرسم قارة بأكملها على لوحة واحدة من ورق الرسم ، و لذا ينبغي ان تأخذ خرائط الأطالس في اعتبارها نوع المسقط المناسب، و أن يلم قارئ خرائط الأطالس بخصائص مساقط الخرائط المختلفة لكي يتجنب الوقوع في أخطاء تختص مثلا بالاتجاهات أو المسافات أو المساحات.
المهم في هذا الموضوع هو أن هذه الخرائط الصغيرة المقياس يمكن أن تتخذ كخرائط أساسية نوقع عليها أنماط عامة من التوزيعات الجغرافية على المستوى الإقليمي أو القاري أو العالمي كتوزيع الأمطار أو النباتات الطبيعية أو الأجناس البشرية أو الأراضي الزراعية الخ... ومن الواضح أن مثل هذه الخرائط العامة التوزيع محدودة القيمة العلمية مقارنة بغيرها من الخرائط الكبيرة المقياس و التي تتميز بدقة أكبر. و لكن لابد أن نذكر أن تصغير مقياس الرسم له مزاياه و فوائده في حالات معينة ، لأن المقياس الصغير في خرائط التوزيعات يمكننا من توقيع البيانات لمنطقة فسيحة بشكل مناسب، و من ثم يمكن بنظرة سريعة أن نرى توزيع ظاهرة كالحرارة أو الأمطار أو السكان أو المعادن على مستوى القارة كلها.
الخرائط الطبوغرافية :
اشتق مصطلح ‘‘طبوغرافيا’’ من الكلمتين اليونانيتين TOPOS و معناها ‘‘مكان’’ و ‘‘GRAPHIA’’ و معناها ‘‘طريقة رسم أو وصف’’.
و من ثم تعني كلمة طبوغرافيا : الوصف أو الرسم التفصيلي للمكان.
و الخريطة الطبوغرافية بهذا المعنى عبارة عن خريطة بمقياس كبير نوعا ما ، تبين منطقة صغيرة أو محدودة من سطح الأرض ، بحيث يسمح مقياس رسمها الكبير بتصوير الظاهرات الطبيعية و البشرية بمقياسها الصحيح. و تشمل هذه الظاهرات : التضاريس (اعتمادا على منحنيات التسوية) و المستنقعات و الغابات و المدن و القرى بأشكالها الحقيقية ، وتشمل أيضا نظم تصريف المياه و أنواع الطرق المختلفة. و الخرائط الطبوغرافية ليست معممة كخرائط الأطالس ذات المقياس الصغير ، و إنما تعتمد على عمليات المساحة الدقيقة.
و تختلف الآراء حول تحديد مقاييس رسم الخرائط الطبوغرافية. إذ يرى البعض أن مقاييس رسم الخرائط الطبوغرافية الصالحة لمعظم الأغراض تتراوح بين 000 80/1 فاكبر حتى 000 20/1 مع اعتبار مقياس 000 50/1 المقياس الأمثل.
و الواقع أن هناك خرائط بمقياس 000 200/1 تصدرها بعض الدول كفرنسا و هولندا و الجزائر ضمن ما تصدره من مجموعات الخرائط الطبوغرافية المختلفة المقاييس. كما تستخدم الجزائر مقياس 000 25/1 في خرائطها الطبوغرافية الجديدة ، و كانت دول القارة الأوربية قد استخدمت هذا المقياس منذ وقت طويل خاصة في ألمانيا و هولندا و إيطاليا و سويسرا و بريطانيا و فرنسا و بعض دول شرق أوربا. و قد استخدم هذا المقياس على نطاق واسع في الدول الأوربية حينما وجد أنه مقياس مفيد جدا أثناء الحرب العالمية الثانية. هذا و تستخدم الدول الأوربية و الجزائر أيضا مقياس 000 50/1 كمقياس نموذجي في الخرائط الطبوغرافية ، كما تستخدمه أيضا الصين و اليابان و كوريا و مصر و تونس و المغرب و الأرجنتين و البرازيل و بعض الدول الأخرى. و الخرائط الطبوغرافية مفيدة في أغراض متعددة مثل الأغراض الحربية و السياحية و في التعليم ، و هي مفيدة بنوع خاص للجغرافي الذي يدرس الجغرافيا الإقليمية لمنطقة معينة بشيء من التفصيل. و من الواضح أنه يمكن استخدام الخريطة الطبوغرافية كخريطة أساسية أو توقيعية ، نوقع عليها مثلا تفاصيل استخدام الأرض أو كثافة السكان أو مراكز الخدمات... ومن ثم تصبح خريطة توزيعات تهم المخططين و دارسي استخدام الأرض.
يتبـــــــــــــــــع
شهد علم الخرائط تطورا سريعا خلال القرن العشرين، و ذلك نتيجة عوامل عديدة منها قيام الحربين العالميتين و تقدم العلوم الطبيعية و الاجتماعية التي تعني بالظاهرات المختلفة و بأنماط توزيعها على سطح الأرض ، مثل علوم الجيولوجيا و البحار و التربة و المناخ و الجغرافيا و الاقتصاد و السكان و السياسة و غيرها. فقد تطلبت العمليات الحربية ، و كذلك العلوم المختلفة تنوعا عظيما في استعمال الخرائط الدقيقة؛ الأمر الذي حث على تغيير أساليب الخرائط نفسها و تطوير الطرق الفنية في رسمها مثل انتشار طرق التصوير الجوي في العمليات المساحية، و تطور أساليب طباعة و نشر الخرائط، و كذلك تطور الأدوات و الأساليب الفنية المستخدمة سواء في عمليات المساحة أو الرسم.
و مع هذا التقدم العظيم تفرع علم الخرائط إلى فروع و تخصصات مختلفة؛ أهمها الفروع التي تتخصص في عمليات المساحة و إنشاء الخرائط الطبوغرافية و البحرية و الخرائط العسكرية بصفة عامة ، و هذه يقوم بها علماء خرائط (كارتوغرافيون) يعملون في أقسام المساحة سواء كانت تابعة لمصلح مدنية أو عسكرية في الدول المختلفة. و هناك أيضا علماء خرائط يتخصصون في أنواع مختلفة من الخرائط الخاصة (أو الخرائط الموضوعية) التي تصمم لتمثيل خصائص توزيع ظاهرة أو ظاهرات معينة في منطقة من المناطق ؛ مثل خرائط استخدام الأرض أو خرائط المناخ أو خرائط الظاهرات الاقتصادية و السكانية و العمرانية بكل أنواعها، و هذه كلها خرائط مفيدة في تحليل مشكلات و إمكانات المناطق المختلفة.و يهتم بهذا النوع من الخرائط مختلف الدارسين في العلوم الطبيعية و الاجتماعية، و منهم الجغرافيون بالطبع. فالدارسون في مثل هذه العلوم يتناولون الخرائط الأساسية (مثل الخرائط الطبوغرافية ) و يضيفون عليها علاقات جديدة و بيانات خاصة، و من ثم يصممون ما اصطلح على تسميته بشكل عام ‘‘خرائط التوزيعات’’ و هي الخرائط التي تعينهم خلال دراستهم العلمية على فهم و تفسير المركب الطبيعي و الاجتماعي على سطح الأرض.
و قد اهتمت دول العالم المختلفة خلال القرنين الماضيين برسم الخرائط لأراضيها، و كان هذا الاهتمام يختلف من دولة لأخرى على حسب تقدم عمليات و طرق المساحة في كل منها. ومما تجدر الإشارة إليه أن الحكومات في الدول هي الهيئات الوحيدة التي تقوم بنشر و إصدار الخرائط، أي أن رسم الخرائط يعتبر عملا رسميا تقوم به الحكومات دون الأفراد. ففي الجزائر مثلا ، الهيئة المكلفة برسم و طبع و توزيع الخرائط هي المعهد الوطني للخرائط، الكائن ببلدية حسين داي بالجزائر العاصمة.
تصنيف الخرائط :
يبدو من المستحيل أن نقوم بتصنيف دقيق لأنواع و استخدامات الخرائط الهائلة العدد. فقد تختلف استخدامات الخرائط من مجرد خريطة بسيطة نوقع عليها مظاهر تاريخية معينة مثل خريطة لمواقع الآثار الرومانية في الجزائر، إلى خريطة تفصيلية يحلل فيها المهندس العمراني خصائص المدينة و طريقة استصلاح أحيائها القديمة و تهيئة طرقها بحيث يجعلها تتلاءم مع تطورها الحالي و المستقبلي الخ… كذلك قد يختلف مقياس الرسم في الخرائط من خريطة للعالم كله في حجم صفحة الكتاب لتبين توزيع الصحاري مثلا، إلى خريطة بمقياس رسم كبير تبين جزءا صغيرا من مدينة أو حي من أحيائها لتبين مواقع بعض البنايات العمومية كالمستشفى أو الجامعة أو مقر البلدية الخ…
و هناك جهود كثيرة بذلت لتصنيف الخرائط؛ أكثرها دلالة هو ذلك التصنيف الذي يقوم على أساس القيمة النفعية للخرائط: مثل الخرائط الطبوغرافية و الخرائط الملاحية و الخرائط الاقتصادية و الخرائط التاريخية و غيرها من فئات الاستخدام المختلفة. إلا أن هناك، بإجماع علماء الخرائط و الجغرافيا، أساسين رئيسيين يمكن أن ينبني عليهما تصنيف ذلك العدد الهائل من الخرائط. و هذان الأساسان هما: مقياس الرسم، و مضمون أو محتوى الخريطة.
التصنيف على أساس مقياس الرسم:
الخريطة غالبا ما تكون أصغر بآلاف أو بملايين المرات من الجزء الحقيقي الذي تمثله من سطح الأرض. فهناك علاقة بين الأبعاد الخطية على الخريطة و ما يقابلها من أبعاد على الطبيعة، و يعبر عن هذه العلاقة بنسبة تسمى ‘‘مقياس الرسم’’. فمقياس رسم الخريطة إذن عبارة عن النسبة بين المسافات على الخريطة و ما يقابلها من مسافات حقيقية على الطبيعة.
و يجب أن نشير إلى أنه من العسير أن يكون مقياس رسم الخريطة صحيحا في كل الاتجاهات ذلك أن سطح الأرض ليس مستويا كسطح الورقة التي رسمت عليها الخريطة (راجع موضوع المساقط). و على العموم تلاحظ أن هناك خطأ في مقياس رسم الخرائط ذات المقياس الصغير ( أي الخرائط التي تمثل أجزاء كبيرة من سطح الأرض كالقارات مثلا على ورقة صغيرة الحجم )، بينما يتضاءل هذا الخطأ في الخرائط ذات المقياس الكبير ( أي التي تمثل مناطق محدودة أو صغيرة نسبيا من سطح الأرض )، كالخرائط الطبوغرافية مثلا.
و نظرا للاختلاف الكبير في مقاييس رسم الخرائط فإنه يمكن حصر هذا العدد في ثلاثة أنواع رئيسية من الخرائط.
الخرائط العالمية:
و تسمى هذه الخرائط أيضا بالخرائط المليونية ، لأن مقياس رسمها صغير، و يبدأ من مقياس 1000 1000 /1 فأصغر مثل 000 000 2 /1 أو 000 000 5 /1 أو000 000 10 /1 و هكذا. و تشمل هذه الفئة من الخرائط ك خرائط الأطالس العامة و خرائط الحائط للأقسام المدرسية مثل خريطة العالم أو خريطة قارة إفريقيا الخ... و توضح مثل هذه الخرائط الصورة العامة لسطح الأرض و شكل القارات و الحدود السياسية للدول و مواقع المدن و الموانئ الهامة. و نظرا لصغر مقياس هذه الخرائط فإن المدن و الموانئ و الحدود تظهر بشكل رمزي مثل الدوائر و الخطوط المتقطعة.
و يمكن أن نلاحظ أن هناك ثلاثة اختلافات تميز خرائط الأطالس عن الخرائط الطبوغرافية (الأكبر مقياسا) نوجزها فيما يلي:
يتمثل الاختلاف الأول في مقياس الرسم ، إذ نادرا ما يكبر مقياس رسم خرائط الأطالس عن 000 000 1/1بل هو في الغالب أصغر من ذلك بكثير و قد يصغر مقياس رسم خريطة العالم في الأطالس إلى حوالي
000 000 100/1 (لاحظ العلاقة العكسية بين مقياس الرسم العددي وبين كبر أو صغر مقياس الخريطة. فكلما كان مقام الكسر كبيرا كلما دل على مقياس صغير و العكس صحيح ، لأن مقام الكسر يدل على عدد المرات التي صغرت إليها الخريطة.) و يستلزم هذا التصغير الهائل فقدان كثير من التفاصيل في خرائط الأطالس.
و يتمثل الاختلاف الثاني في نظم التلوين التقليدية ، فهي أكثر استخداما في خرائط الأطالس.إذ يستخدم اللون الأخضر بدرجاته في خرائط الأطالس الطبيعية للدلالة على الأراضي المنخفضة ثم اللون البني بدرجاته المختلفة للدلالة على الأراضي المرتفعة.
أما الاختلاف الثالث فيتمثل في مسقط الخريطة. فلا شك أن اتساع المساحة التي تتضمنها خرائط الأطالس يثير مسألة مسقط الخريطة. صحيح أن تقوس سطح الأرض في مساحة صغيرة و محدودة تبينها الخريطة الطبوغرافية ، و هي خريطة كبيرة المقياس ، يبدو تقوسا طفيفا لدرجة تجعل مسألة المسقط غير مهمة نسبيا. و لكن تقوس الأرض يبدو عظيما جدا عندما نرسم قارة بأكملها على لوحة واحدة من ورق الرسم ، و لذا ينبغي ان تأخذ خرائط الأطالس في اعتبارها نوع المسقط المناسب، و أن يلم قارئ خرائط الأطالس بخصائص مساقط الخرائط المختلفة لكي يتجنب الوقوع في أخطاء تختص مثلا بالاتجاهات أو المسافات أو المساحات.
المهم في هذا الموضوع هو أن هذه الخرائط الصغيرة المقياس يمكن أن تتخذ كخرائط أساسية نوقع عليها أنماط عامة من التوزيعات الجغرافية على المستوى الإقليمي أو القاري أو العالمي كتوزيع الأمطار أو النباتات الطبيعية أو الأجناس البشرية أو الأراضي الزراعية الخ... ومن الواضح أن مثل هذه الخرائط العامة التوزيع محدودة القيمة العلمية مقارنة بغيرها من الخرائط الكبيرة المقياس و التي تتميز بدقة أكبر. و لكن لابد أن نذكر أن تصغير مقياس الرسم له مزاياه و فوائده في حالات معينة ، لأن المقياس الصغير في خرائط التوزيعات يمكننا من توقيع البيانات لمنطقة فسيحة بشكل مناسب، و من ثم يمكن بنظرة سريعة أن نرى توزيع ظاهرة كالحرارة أو الأمطار أو السكان أو المعادن على مستوى القارة كلها.
الخرائط الطبوغرافية :
اشتق مصطلح ‘‘طبوغرافيا’’ من الكلمتين اليونانيتين TOPOS و معناها ‘‘مكان’’ و ‘‘GRAPHIA’’ و معناها ‘‘طريقة رسم أو وصف’’.
و من ثم تعني كلمة طبوغرافيا : الوصف أو الرسم التفصيلي للمكان.
و الخريطة الطبوغرافية بهذا المعنى عبارة عن خريطة بمقياس كبير نوعا ما ، تبين منطقة صغيرة أو محدودة من سطح الأرض ، بحيث يسمح مقياس رسمها الكبير بتصوير الظاهرات الطبيعية و البشرية بمقياسها الصحيح. و تشمل هذه الظاهرات : التضاريس (اعتمادا على منحنيات التسوية) و المستنقعات و الغابات و المدن و القرى بأشكالها الحقيقية ، وتشمل أيضا نظم تصريف المياه و أنواع الطرق المختلفة. و الخرائط الطبوغرافية ليست معممة كخرائط الأطالس ذات المقياس الصغير ، و إنما تعتمد على عمليات المساحة الدقيقة.
و تختلف الآراء حول تحديد مقاييس رسم الخرائط الطبوغرافية. إذ يرى البعض أن مقاييس رسم الخرائط الطبوغرافية الصالحة لمعظم الأغراض تتراوح بين 000 80/1 فاكبر حتى 000 20/1 مع اعتبار مقياس 000 50/1 المقياس الأمثل.
و الواقع أن هناك خرائط بمقياس 000 200/1 تصدرها بعض الدول كفرنسا و هولندا و الجزائر ضمن ما تصدره من مجموعات الخرائط الطبوغرافية المختلفة المقاييس. كما تستخدم الجزائر مقياس 000 25/1 في خرائطها الطبوغرافية الجديدة ، و كانت دول القارة الأوربية قد استخدمت هذا المقياس منذ وقت طويل خاصة في ألمانيا و هولندا و إيطاليا و سويسرا و بريطانيا و فرنسا و بعض دول شرق أوربا. و قد استخدم هذا المقياس على نطاق واسع في الدول الأوربية حينما وجد أنه مقياس مفيد جدا أثناء الحرب العالمية الثانية. هذا و تستخدم الدول الأوربية و الجزائر أيضا مقياس 000 50/1 كمقياس نموذجي في الخرائط الطبوغرافية ، كما تستخدمه أيضا الصين و اليابان و كوريا و مصر و تونس و المغرب و الأرجنتين و البرازيل و بعض الدول الأخرى. و الخرائط الطبوغرافية مفيدة في أغراض متعددة مثل الأغراض الحربية و السياحية و في التعليم ، و هي مفيدة بنوع خاص للجغرافي الذي يدرس الجغرافيا الإقليمية لمنطقة معينة بشيء من التفصيل. و من الواضح أنه يمكن استخدام الخريطة الطبوغرافية كخريطة أساسية أو توقيعية ، نوقع عليها مثلا تفاصيل استخدام الأرض أو كثافة السكان أو مراكز الخدمات... ومن ثم تصبح خريطة توزيعات تهم المخططين و دارسي استخدام الأرض.
يتبـــــــــــــــــع