السياق التاريخي:
على عكس التجمعات الإقليمية العربية الأخرى مثل مجلس التعاون الخليجي الذي كان وليد هواجس سياسية وأمنية حديثة جداً، فإن الوعي الإقليمي بوحدة المغرب العربي بدأ يتبلور في إطار الحركات الوطنية المغاربية منذ مطلع القرن العشرين عندما بدأ مفهوم المغرب العربي يتكوّن سياسياً، إذ دأبت حركات التحرر في تونس والجزائر والمغرب على التأكيد على البعد المغاربي لما بعد الاستقلال.
وعلى عكس الحركات الوطنية العربية في المشرق التي اتخذت بعداً قومياً حيث نادت بتأسيس الدولة العربية الموحدة دولة الاستقلال، تميزت الحركات الوطنية في المغرب العربي ببعدها الوطني أولاً ثم الإقليمي المغاربي ثانياً. وهذا ما يفسر غياب الصراع بين "الدولة القطرية" والقومية، إذ لم تعرف الدول المغاربية ذلك الهجوم على "الدولة القطرية"، وحتى هذا التعبير لا أثر له في الأدبيات المغاربية التي تتحدث عن الدولة الوطنية، وعليه فبناء المغرب العربي لم يوضع إطلاقاً قبل بناء الدولة الوطنية مما حال دون أي صراع أيدلوجي بين التوجهات المحلية (الوطنية) والإقليمية (المغاربية)، على عكس ما حدث في المشرق.
واستمر تبلور مفهوم المغرب العربي كوحدة إقليمية خلال العقود المتتالية، وكانت إحدى مراحله التأسيسية مؤتمر المغرب العربي الذي انعقد بالقاهرة في فبراير/شباط 1947. لكن السنة التاريخية تبقى عام 1958 لأهميتها بالنسبة للوعي السياسي المغاربي، حيث انعقد مؤتمر طنجة يوم 26 أبريل/نيسان 1958 بالمغرب والذي ضم ممثلين عن حزب الاستقلال المغربي وجبهة التحرير الوطني الجزائرية وحزب الدستور التونسي.
عقد هذا المؤتمر بعد استقلال المغرب وتونس في حين كانت الثورة الجزائرية لا تزال متواصلة. ويعتبر المؤتمر بداية التأريخ للمشروع الإقليمي المغاربي, خاصة أن قضية توحيد الجهود في مواجهة السوق الأوروبية المشتركة الناشئة كانت من بين القضايا التي تطرق إليها المؤتمر الذي يعبر عن وعي سياسي يفوق بكثير من حيث الرؤية الإستراتيجية وعي النخب المغاربية الحاكمة حالياً. ولا نبالغ إن قلنا إنه حدث تراجع في الوعي السياسي المغاربي مقارنة مع تلك الحقبة.
لم يتحقق حلم زعماء الحركات الوطنية المغاربية، فما إن استقلت الدول المغاربية حتى بدأت الخلافات السياسية لاسيما بسبب الخلافات الحدودية. ودخلت المغرب والجزائر في "حرب الرمال" (أكتوبر/تشرين الأول 1963) بسبب مطالب ترابية مغاربية على حساب الجزائر. ولكن هذه الحرب لم تمنع الدول المغاربية من محاولة إرساء قواعد للتعاون الإقليمي، فقد أنشئ المجلس الاستشاري المغاربي الدائم عام 1964 بين الجزائر والمغرب وتونس، والذي يعتبر أول مشروع ملموس للتعاون الإقليمي مغاربياً. وكانت أهم أهدافه: تنسيق السياسات الاقتصادية والجمركية، وضمان حرية تنقل البضائع الصناعية، وتنسيق السياسات في مواجهة الشركاء التجاريين لاسيما السوق الأوروبية المشتركة. والتحقت ليبيا بهذا المجلس ثم تلتها موريتانيا، ليصبح أول بنية إقليمية جمعت دول المغرب العربي الخمس.
لكن هذه التجربة الأولى في البناء الإقليمي المغاربي سرعان ما أجهضت من جراء الخلافات السياسية بين الدول المغاربية وأجواء الحرب الباردة والصراع العربي الإسرائيلي والصراعات العربية العربية (الجزائر في المعسكر التقدمي والمغرب في المعسكر المحافظ) التي ألقت بظلالها على العلاقات البينية المغاربية.
وشهد مطلع السبعينات نوعاً من التحسن في العلاقات المغاربية لاسيما الجزائرية المغربية مما أسهم في حل الخلافات الحدودية, حيث وقعت الجزائر مثلاً اتفاقاً مع تونس في فبراير/شباط 1970 وآخر مع المغرب في يونيو/حزيران 1972 (لكن الرباط لم تصادق عليه إلا في عام 1989). ولكن هذا الانفراج في العلاقات المغربية سرعان ما غمره التوتر السياسي من جديد بين الجزائر والمغرب والذي ازداد حدة مع انفجار أزمة الصحراء الغربية عام 1974 وتدعيم الجزائر لجبهة البوليساريو رداً على الاتفاق الثلاثي بين إسبانيا والمغرب وموريتانيا والذي قسم بموجبه إقليم الصحراء الغربية بين المغرب وموريتانيا، فكان أن توقف العمل المغاربي المتعدد الأطراف في حين تواصل التعاون الثنائي بدرجة متدنية. هذا التوتر أدى إلى الاتفاق في الدورة الثانية عشرة للمجلس المغاربي على تعليق نشاطه إلى أجل غير مسمى، ومنذ ذلك الحين أصبحت أزمة الصحراء الغربية أحد المحددات الرئيسية للعلاقات المغاربية.
تأسيس اتحاد المغرب العربي:
بعد توتر شديد في العلاقات الجزائرية المغربية شرع البلدان في التقارب بينهما والذي دُشن بقمة العقيد لطفي (بلدة على الحدود المغربية) جمعت الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد بالعاهل المغربي الحسن الثاني يوم 26 فبراير/شباط 1983. وبعد أقل من شهر من انعقاد هذه القمة وبالتحديد في 19 مارس/آذار وقعت الجزائر "معاهدة الإخاء والوفاق" مع تونس والتي انضمت إليها موريتانيا في 13 ديسمبر/كانون الأول 1983. ورغم تأكيدهما أن هذه المعاهدة ركيزة لبناء المغرب العربي الكبير فإن المغرب وليبيا اعتبراها حلفا ضدهما ومحاولة جزائرية لعزلهما إقليميا. وكرد فعل قررت طرابلس والرباط تشكيل حلف بينهما لمواجهة المعاهدة الجزائرية التونسية، فوقّع الطرفان يوم 13 أغسطس/آب 1984 اتفاقا في وجدة (مدينة مغربية على الحدود مع الجزائر) أسستا بموجبه "اتحاد الدول العربي الأفريقي".
إستراتيجية المغرب من خلال هذا الحلف كانت مزدوجة الهدف: الرد على التحرك الجزائري ووقف الدعم الليبي للبوليساريو بتحييد طرابلس في هذه النزاع. أما ليبيا فكانت تسعى لئلا تُقصى من سياسة المحاور المغاربية وتضمن عدم تدخل المغرب في نزاعها مع تشاد (الرباط كانت هددت طرابلس بدعم نجامينا إن لم تتوقف عن مساندتها للبوليساريو). والجزائر بدورها رأت في الاتفاق المغربي الليبي تحالفاً ضدها، ويبدو أنها كانت تتخوف من تقارب عسكري بين جاريها الغربي والشرقي مما قد يهدد أمنها القومي، خاصة أن المادة 12 من اتفاق وجدة المغربي الليبي تنص على أن أي عدوان على أحدهما هو عدوان على الآخر.
وكانت مشاركة الحسن الثاني في القمة العربية التي عقدت بالجزائر في يونيو/حزيران 1988 رمزاً قوياً للمصالحة الجزائرية المغربية لدرجة أن هذه المصالحة كادت تصرف الاهتمام والدعم عن الانتفاضة الفلسطينية. وهكذا بدأت مرحلة جديدة في العلاقات المغاربية، وتطرق قادة الدول المغاربة الخمس في قمة زرالدة في يونيو 1988 -وهي أول قمة مغاربية في التاريخ بصفة رسمية- إلى مبدأ إنشاء اتحاد مغاربي وتم الاتفاق على إنشاء خمس لجان، إلا أن أحداث أكتوبر/تشرين الأول 1988 تسببت في إرجاء القمة المغاربية التي كانت مقررة خلال نفس العام.
والملاحظ أن المدة الزمنية التي فصلت تاريخ عودة العلاقات الجزائرية المغاربية عن قمة زرالدة التي تقرر فيها إنشاء بنية إقليمية مغاربية مدة قصيرة جداً، مما يدل على التسرع الكبير في إنشاء الاتحاد المغاربي، وهذا طبعاً تقليد في العلاقات العربية العربية التي تمر بين عشية وضحاها من حالة عداء شديد إلى مشاريع تكاملية سريعة والعكس صحيح، فكان أن أفقد هذا التسرع جدية المشاريع الإقليمية العربية.
واجتمع قادة دول المغرب العربي الخمس في مراكش يوم 17 فبراير/شباط 1989 وأعلنوا إنشاء "اتحاد المغرب العربي"، وتميزت معاهدة مراكش المؤسسة لهذا الاتحاد بعمومية أهدافها إذ لم يُشر مثلاً في نصوص المادتين الثانية والثالثة المتعلقة بأهداف الاتحاد إلى وحدة جمركية أو اقتصادية، وإنما اقتصر نص المعاهدة على عبارات عامة حول التعاون الاقتصادي والسياسة المشتركة.
والنقطة الأخرى التي تثير الانتباه في هذه المعاهدة هي عدم تحديدها لمفهوم المغرب العربي ولا حدوده الجغرافية، بل إن صفة "العربية" لم تعتبر ميزة خاصة أو معيار قبول أو رفض عضوية دول أخرى، فتنص المادة السابعة من المعاهدة على أن "للدول الأخرى المنتمية إلى الأمة العربية أو إلى المجموعة الأفريقية أن تنضم إلى هذه المعاهدة إذا قبلت الدول الأعضاء".
هذا الطغيان في منطق السيادة والتواضع في الأهداف الاقتصادية يجعلان معاهدة اتحاد المغرب بعيدة عن مشروع تكامل إقليمي، إذ طغى العامل السياسي في إنشاء اتحاد المغرب العربي على الجانب الاقتصادي. والغريب أن الأدبيات المغاربية المتخصصة تتحدث عن اتحاد المغرب العربي وضرورات تنشيطه وكأنه بنية إقليمية رفيعة المستوى في مجال التكامل.
وتقرر حسب المادة الخامسة من المعاهدة عقد مجلس الرئاسة المغاربية في دورات عادية مرة كل سنة بالإضافة إلى دورات غير عادية إن اقتضت الضرورة. وعقدت منذ القمة التأسيسية (مراكش 1989) ست دورات على مستوى الرئاسة كانت الأولى في تونس ثم الجزائر ورأس لانوف في ليبيا فالدار البيضاء فنواكشوط، وأخيرا تونس في أبريل/نيسان 1994. أما الدورة السابعة المزمع عقدها في الجزائر فلم يكتب لها الانعقاد بسبب الخلافات الجزائرية المغربية.
أما دورات الاتحاد اللاحقة لاسيما رأس لانوف (ليبيا 1991) ونواكشوط (1992) فقد أكدت ضرورة اتخاذ التدابير العملية اللازمة لتنفيذ مختلف الاتفاقات في سبيل إقامة منطقة تجارة حرة مغاربية، وذلك قبل مدة لا تتجاوز عشر سنوات. غير أنه لم يتم تجسيد شيء على أرض الواقع.
[u]
على عكس التجمعات الإقليمية العربية الأخرى مثل مجلس التعاون الخليجي الذي كان وليد هواجس سياسية وأمنية حديثة جداً، فإن الوعي الإقليمي بوحدة المغرب العربي بدأ يتبلور في إطار الحركات الوطنية المغاربية منذ مطلع القرن العشرين عندما بدأ مفهوم المغرب العربي يتكوّن سياسياً، إذ دأبت حركات التحرر في تونس والجزائر والمغرب على التأكيد على البعد المغاربي لما بعد الاستقلال.
وعلى عكس الحركات الوطنية العربية في المشرق التي اتخذت بعداً قومياً حيث نادت بتأسيس الدولة العربية الموحدة دولة الاستقلال، تميزت الحركات الوطنية في المغرب العربي ببعدها الوطني أولاً ثم الإقليمي المغاربي ثانياً. وهذا ما يفسر غياب الصراع بين "الدولة القطرية" والقومية، إذ لم تعرف الدول المغاربية ذلك الهجوم على "الدولة القطرية"، وحتى هذا التعبير لا أثر له في الأدبيات المغاربية التي تتحدث عن الدولة الوطنية، وعليه فبناء المغرب العربي لم يوضع إطلاقاً قبل بناء الدولة الوطنية مما حال دون أي صراع أيدلوجي بين التوجهات المحلية (الوطنية) والإقليمية (المغاربية)، على عكس ما حدث في المشرق.
واستمر تبلور مفهوم المغرب العربي كوحدة إقليمية خلال العقود المتتالية، وكانت إحدى مراحله التأسيسية مؤتمر المغرب العربي الذي انعقد بالقاهرة في فبراير/شباط 1947. لكن السنة التاريخية تبقى عام 1958 لأهميتها بالنسبة للوعي السياسي المغاربي، حيث انعقد مؤتمر طنجة يوم 26 أبريل/نيسان 1958 بالمغرب والذي ضم ممثلين عن حزب الاستقلال المغربي وجبهة التحرير الوطني الجزائرية وحزب الدستور التونسي.
عقد هذا المؤتمر بعد استقلال المغرب وتونس في حين كانت الثورة الجزائرية لا تزال متواصلة. ويعتبر المؤتمر بداية التأريخ للمشروع الإقليمي المغاربي, خاصة أن قضية توحيد الجهود في مواجهة السوق الأوروبية المشتركة الناشئة كانت من بين القضايا التي تطرق إليها المؤتمر الذي يعبر عن وعي سياسي يفوق بكثير من حيث الرؤية الإستراتيجية وعي النخب المغاربية الحاكمة حالياً. ولا نبالغ إن قلنا إنه حدث تراجع في الوعي السياسي المغاربي مقارنة مع تلك الحقبة.
لم يتحقق حلم زعماء الحركات الوطنية المغاربية، فما إن استقلت الدول المغاربية حتى بدأت الخلافات السياسية لاسيما بسبب الخلافات الحدودية. ودخلت المغرب والجزائر في "حرب الرمال" (أكتوبر/تشرين الأول 1963) بسبب مطالب ترابية مغاربية على حساب الجزائر. ولكن هذه الحرب لم تمنع الدول المغاربية من محاولة إرساء قواعد للتعاون الإقليمي، فقد أنشئ المجلس الاستشاري المغاربي الدائم عام 1964 بين الجزائر والمغرب وتونس، والذي يعتبر أول مشروع ملموس للتعاون الإقليمي مغاربياً. وكانت أهم أهدافه: تنسيق السياسات الاقتصادية والجمركية، وضمان حرية تنقل البضائع الصناعية، وتنسيق السياسات في مواجهة الشركاء التجاريين لاسيما السوق الأوروبية المشتركة. والتحقت ليبيا بهذا المجلس ثم تلتها موريتانيا، ليصبح أول بنية إقليمية جمعت دول المغرب العربي الخمس.
لكن هذه التجربة الأولى في البناء الإقليمي المغاربي سرعان ما أجهضت من جراء الخلافات السياسية بين الدول المغاربية وأجواء الحرب الباردة والصراع العربي الإسرائيلي والصراعات العربية العربية (الجزائر في المعسكر التقدمي والمغرب في المعسكر المحافظ) التي ألقت بظلالها على العلاقات البينية المغاربية.
وشهد مطلع السبعينات نوعاً من التحسن في العلاقات المغاربية لاسيما الجزائرية المغربية مما أسهم في حل الخلافات الحدودية, حيث وقعت الجزائر مثلاً اتفاقاً مع تونس في فبراير/شباط 1970 وآخر مع المغرب في يونيو/حزيران 1972 (لكن الرباط لم تصادق عليه إلا في عام 1989). ولكن هذا الانفراج في العلاقات المغربية سرعان ما غمره التوتر السياسي من جديد بين الجزائر والمغرب والذي ازداد حدة مع انفجار أزمة الصحراء الغربية عام 1974 وتدعيم الجزائر لجبهة البوليساريو رداً على الاتفاق الثلاثي بين إسبانيا والمغرب وموريتانيا والذي قسم بموجبه إقليم الصحراء الغربية بين المغرب وموريتانيا، فكان أن توقف العمل المغاربي المتعدد الأطراف في حين تواصل التعاون الثنائي بدرجة متدنية. هذا التوتر أدى إلى الاتفاق في الدورة الثانية عشرة للمجلس المغاربي على تعليق نشاطه إلى أجل غير مسمى، ومنذ ذلك الحين أصبحت أزمة الصحراء الغربية أحد المحددات الرئيسية للعلاقات المغاربية.
تأسيس اتحاد المغرب العربي:
بعد توتر شديد في العلاقات الجزائرية المغربية شرع البلدان في التقارب بينهما والذي دُشن بقمة العقيد لطفي (بلدة على الحدود المغربية) جمعت الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد بالعاهل المغربي الحسن الثاني يوم 26 فبراير/شباط 1983. وبعد أقل من شهر من انعقاد هذه القمة وبالتحديد في 19 مارس/آذار وقعت الجزائر "معاهدة الإخاء والوفاق" مع تونس والتي انضمت إليها موريتانيا في 13 ديسمبر/كانون الأول 1983. ورغم تأكيدهما أن هذه المعاهدة ركيزة لبناء المغرب العربي الكبير فإن المغرب وليبيا اعتبراها حلفا ضدهما ومحاولة جزائرية لعزلهما إقليميا. وكرد فعل قررت طرابلس والرباط تشكيل حلف بينهما لمواجهة المعاهدة الجزائرية التونسية، فوقّع الطرفان يوم 13 أغسطس/آب 1984 اتفاقا في وجدة (مدينة مغربية على الحدود مع الجزائر) أسستا بموجبه "اتحاد الدول العربي الأفريقي".
إستراتيجية المغرب من خلال هذا الحلف كانت مزدوجة الهدف: الرد على التحرك الجزائري ووقف الدعم الليبي للبوليساريو بتحييد طرابلس في هذه النزاع. أما ليبيا فكانت تسعى لئلا تُقصى من سياسة المحاور المغاربية وتضمن عدم تدخل المغرب في نزاعها مع تشاد (الرباط كانت هددت طرابلس بدعم نجامينا إن لم تتوقف عن مساندتها للبوليساريو). والجزائر بدورها رأت في الاتفاق المغربي الليبي تحالفاً ضدها، ويبدو أنها كانت تتخوف من تقارب عسكري بين جاريها الغربي والشرقي مما قد يهدد أمنها القومي، خاصة أن المادة 12 من اتفاق وجدة المغربي الليبي تنص على أن أي عدوان على أحدهما هو عدوان على الآخر.
وكانت مشاركة الحسن الثاني في القمة العربية التي عقدت بالجزائر في يونيو/حزيران 1988 رمزاً قوياً للمصالحة الجزائرية المغربية لدرجة أن هذه المصالحة كادت تصرف الاهتمام والدعم عن الانتفاضة الفلسطينية. وهكذا بدأت مرحلة جديدة في العلاقات المغاربية، وتطرق قادة الدول المغاربة الخمس في قمة زرالدة في يونيو 1988 -وهي أول قمة مغاربية في التاريخ بصفة رسمية- إلى مبدأ إنشاء اتحاد مغاربي وتم الاتفاق على إنشاء خمس لجان، إلا أن أحداث أكتوبر/تشرين الأول 1988 تسببت في إرجاء القمة المغاربية التي كانت مقررة خلال نفس العام.
والملاحظ أن المدة الزمنية التي فصلت تاريخ عودة العلاقات الجزائرية المغاربية عن قمة زرالدة التي تقرر فيها إنشاء بنية إقليمية مغاربية مدة قصيرة جداً، مما يدل على التسرع الكبير في إنشاء الاتحاد المغاربي، وهذا طبعاً تقليد في العلاقات العربية العربية التي تمر بين عشية وضحاها من حالة عداء شديد إلى مشاريع تكاملية سريعة والعكس صحيح، فكان أن أفقد هذا التسرع جدية المشاريع الإقليمية العربية.
واجتمع قادة دول المغرب العربي الخمس في مراكش يوم 17 فبراير/شباط 1989 وأعلنوا إنشاء "اتحاد المغرب العربي"، وتميزت معاهدة مراكش المؤسسة لهذا الاتحاد بعمومية أهدافها إذ لم يُشر مثلاً في نصوص المادتين الثانية والثالثة المتعلقة بأهداف الاتحاد إلى وحدة جمركية أو اقتصادية، وإنما اقتصر نص المعاهدة على عبارات عامة حول التعاون الاقتصادي والسياسة المشتركة.
والنقطة الأخرى التي تثير الانتباه في هذه المعاهدة هي عدم تحديدها لمفهوم المغرب العربي ولا حدوده الجغرافية، بل إن صفة "العربية" لم تعتبر ميزة خاصة أو معيار قبول أو رفض عضوية دول أخرى، فتنص المادة السابعة من المعاهدة على أن "للدول الأخرى المنتمية إلى الأمة العربية أو إلى المجموعة الأفريقية أن تنضم إلى هذه المعاهدة إذا قبلت الدول الأعضاء".
هذا الطغيان في منطق السيادة والتواضع في الأهداف الاقتصادية يجعلان معاهدة اتحاد المغرب بعيدة عن مشروع تكامل إقليمي، إذ طغى العامل السياسي في إنشاء اتحاد المغرب العربي على الجانب الاقتصادي. والغريب أن الأدبيات المغاربية المتخصصة تتحدث عن اتحاد المغرب العربي وضرورات تنشيطه وكأنه بنية إقليمية رفيعة المستوى في مجال التكامل.
وتقرر حسب المادة الخامسة من المعاهدة عقد مجلس الرئاسة المغاربية في دورات عادية مرة كل سنة بالإضافة إلى دورات غير عادية إن اقتضت الضرورة. وعقدت منذ القمة التأسيسية (مراكش 1989) ست دورات على مستوى الرئاسة كانت الأولى في تونس ثم الجزائر ورأس لانوف في ليبيا فالدار البيضاء فنواكشوط، وأخيرا تونس في أبريل/نيسان 1994. أما الدورة السابعة المزمع عقدها في الجزائر فلم يكتب لها الانعقاد بسبب الخلافات الجزائرية المغربية.
أما دورات الاتحاد اللاحقة لاسيما رأس لانوف (ليبيا 1991) ونواكشوط (1992) فقد أكدت ضرورة اتخاذ التدابير العملية اللازمة لتنفيذ مختلف الاتفاقات في سبيل إقامة منطقة تجارة حرة مغاربية، وذلك قبل مدة لا تتجاوز عشر سنوات. غير أنه لم يتم تجسيد شيء على أرض الواقع.
[u]