الفصل الأول: تعريف الربا وحكمه:
المبحث الأول: تعريف الربا:
الربا في اللغة الفضل والزيادة، ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج: 5] وقوله سبحانه: {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} [النحل: 92] وهو مقصور على الأشهر. وهو من الباب الأول، ويثنى على (ربوان) وينسب إليه فيقال (ربوي) على أصله.
والربا في الاصطلاح الفقهي:
عند الحنفية (فضل خال عن عوض بمعيار شرعي مشروط لأحد المتعاقدين في المعاوضة). وعند الشافعية: (عقد على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد، أو مع تأخير في البدلين أو أحدهما) وعند الحنبلية: (الزيادة في أشياء مخصوصة) والمالكية في تعريفهم للربا لا يخرجون عن هذه التعاريف.
ومن التعاريف يتضح أن الربا إنما هو الزيادة الخالية عن عوض مقابل، فلو كانت زيادة يقابلها عوض لم تكن ربا. وكذلك فإن الربا خاص بالمعاوضات، أما الهبة فلا يجري فيها الربا.
والربا لا يكون إلا مشروطاً، فلو زاد أحد المتبايعين الآخر دون شرط لم يكن ربا.
وكذلك فإن الزيادة فيه لا تتحقق إلا إذا كان العوضان منضبطين بمعيار شرعي وهو الكيل أو الوزن لا غير.
المبحث الثاني: حكم الربا من حيث الوصف الشرعي القائم به:
الربا محرم باتفاق الفقهاء من غير خلاف، قليلاً كان أو كثيراً، وقد ثبت تحريمه بالكتاب والسنة وإجماع الأمة.
1- دليل الكتاب: ففي آيات كثيرة، منها قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 278-279].
2- دليل السنة: ففي أحاديث كثيرة مستفيضة منها:
أ- ما رواه جابر -رضي الله عنه- قال: (لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء) رواه مسلم. وروى الخمسة مثله عن ابن مسعود.
ب- ما رواه ابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الربا ثلاثة وسبعون باباً، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وان أربى الربا عرض الرجل المسلم) رواه ابن ماجه مختصراً، والحاكم بتمامه وصححه.
جـ- ما رواه الدارقطني، والبيهقي، وأحمد، عن عبدة الله بن حنظلة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (درهم ربا يأكله ابن آدم أشد عند الله من ست وثلاثين زنية).
3- وأما الإجماع فهو محكي عن جميع الفقهاء في كل العصور، لم يشذ منهم واحد، حتى أن الماوردي قال: (إنه لم يحل في شريعة قط) لقوله تعالى: (وأخذهم الربا وقد نهوا عنه) يعني في الكتب السابقة.
المبحث الثالث: حكم الربا في البيع من حيث الأثر النوعي المترتب عليه:
ذهب الحنفية إلى أن اشتراط الربا في المعاوضات مفسد لها، وقد تقدم أن العقد الفاسد يثبت به الملك عند الحنفية خلافاً للعقد الباطل، إلا أنه ملك خبيث، لا يجوز الانتفاع به معه، وهو عقد واجب الفسخ وعلى هذا يكون بين الربا والعقد الفاسد عموم وخصوص مطلق، فكل عقد ربوي فاسد ولا عكس.
وذهب الجمهور -المالكية والشافعية والحنابلة- إلى أن الربا في المعاوضات مبطل لها، ذلك أن الجمهور لا يفرقون بين الفساد والبطلان في العقود، وقد تقدم ذلك، فيكون العقد الربوي عندهم كأنه لم يكن، فلا ينتج عنه ملك ما.