دلالات: الشخص والشخصية
عند استعراضنا لدلالات مفهوم الشخصية نعثر على نمطين من التعاريف: نمط أول تتخد فيه الشخصية معنى مجردا و عاما يجعلها خاصية كائن يكون شخصا اخلاقيا وقانونيا مسؤولا (كقولنا: لكل شخص الحق في ...)ومنه حديث القانونيين عن شخصية طبيعية أو معنوية؛ ونمط ثان يتخد فيه المفهوم معنى محسوسا يركز على خصوصية الفرد باعتبارها تنظيما فريدا لمجموعة من الوظائف الجسمية، النفسية والإجتماعية ويتجلى هذاالتنظيم من خلال اسلوب الفرد في الحياة و يرتبط بسيرته و تاريخه ( كقولنا شخصية عمرو او شخصية زيد مثلا )
ينتمي النمط الاول من التعاريف الى المجال الفلسفي وينزاح مفهوم الشخصية نحو مفهوم الشخص دلالة على الطابع التجريدي الكوني فكانط يرى "ان الشخص هو الذات التى يمكن ان تنسب اليها مسؤولية افعالها وهي قدرة الشخص على الوعي بما هو ثابت خلف الحالات المتغيرة لوجوده "؛ أما هيجل فيعتبر ان الشخصية لا تبدأ إلا حين تعي الذات نفسها لا كمجرد أنا محسوسة محددة كيفما اتفق و إنما باعتبارها أنا مجردة تجريدا خالصا".
أما النمط الثاني من تعاريف الشخصية فينتمي الى مجال العلوم الانسانية كما عبر عنه "البورت" في قوله: " الشخصية هي التنظيم الدينامي للانظمة السيكوفيزيولوجية التي تحدد تكيف الفرد بشكل أصيل مع محيطه". هنا تصبح الشخصية بناءا أو نموذجا نظريا وعلميا يسمح بفهم كل ما يتميز به شخص معين من خصائص؛ و يستنتج من تعريف البورت أيضا بأن الفرد عبارة عن أنظمة او أجهزة نفسية و فيزيولوجية متداخلة تسعى الى التكيف و التفاعل مع محيطها الطبيعي و الإجتماعي، وعليه ينبغي البحث عن سر تمايز شخصيات الافراد في تمايز أشكال انتظام و تكيف أنظمتهم السيكوفيزيولوجية مع المحيطين الطبيعي و الاجتماعي.
هناك اذن مقاربتان للشخصية: مقاربة فلسفية إن صح القول ومقاربة العلوم الإنسانية. لذا سنتساءل في مرحلة أولى عما يجعل الكائن البشري شخصا أي أكثر من مجرد عضوية حية وأكثر من مجرد ركام من الوظائف السيكوفيزيولوجية؟ مالذي يجعله كائنا أخلاقيا أخلاقيا ؟ وبعبارة أخرى كيف تتحدد شخصية الفرد من خلال نظام الشخص؟
غير أننا بهذه الأسئلة نكتفي بالبحث عن العام والمشترك بين البشر، والحال أن الفرد أيضا كائن "فريد" بتركيبته النفسية وتفاعلاته الإجتماعية والتي تتمظهر في سلوكاته أو مواقفه أو اختياراته، لذا سنتساءل في مرحلة ثانية : كيف يتحدد البناء النفسي والإجتماعي للشخصية ؟ أو ماهي العوامل السيكولوجية والسوسيوثقافية المساهمة في بناء وتكوين الشخصية؟
ولايخفى أن البحث عن هذه العوامل بالنسبة للعلوم الإنسانية إنما يعني البحث عن محددات موضوعية قابلة للدراسة والتحديد العلميين، وهنا يطرح السؤال: ألا يعني الحديث عن عوامل ومحددات مشكلة لنمط الشخصية نفيا لدور الشخص في بناء شخصيته واختفاؤه كوعي وإرادة وحرية؟
>
الشخص كجوهر للشخصية
قد نعثر في المتن الفلسفي عبر تاريخ الفلسفة على شذرات متناثرة هنا أو هناك حول الطباع والأمزجة والإنفعالات الإنسانية وعلاقة الفرد بالجماعة، بيد أن الذي استأثر بإهتمام الفلسفة كان هو البحث عما يجعل الكائن البشري أكثر من مجرد عضوية بيولوجية مستقلة: هكذا انصب الإهتمام على الماهية التي تخص الإنسان و الجوهر الذي يظل ثابتا رغم تغيرات الجسم وأحوال النفس وانفعالاتها. وفي هذا الإطار بندرج تمييز ابن سينا بين بين عنصر متغير ومتحلل هو الجسم وعنصر ثابت مستمر هو النفس وذلك في قوله: " تأمل أيها العاقل أنك اليوم في نفسك هو الذي كان موجودا جميع عمرك حتى إنك تتذكر كثيرا مما جرى من أحوالك، فأنت إذن ثابت مستمر لاشك في ذلك وبدنك وأجزاؤه ليس ثابتا مستمرا بل هو أبدا في التحلل والإنتقاص..." والواقع أن ابن سينا يشير هنا إلى ظاهرة "الوعي بالذات" التي تصاحب مختلف حالات الوجود البشري بحيث تمنح الفرد شعورا بهويته وأناه وبثباتها.ويتجلى هذا واضحا في شعور الفرد داخلياً وعبر حياته باستمرار وحدة شخصيته وهويتها وثباتها ضمن الظروف المتعددة التي تمر بها، كما يظهر بوضوح في وحدة الخبرة التي يمر بها في الحاضر واستمرار اتصالها مع الخبرة الماضية التي كان يمر بها. وهو نفس الوعي الذي اعتمدعليه ديكارت في " الكوجيطو" وخصوصا وعي الذات بفعل التفكير الذي تنجزه في لحظة الشك أي الوعي بالطبيعة المفكرة للذات التي تقابل عند ديكارت طبيعة الإمتداد المميزة للجسم.
ومن الجدير بالذكر أن الوعي بالذات على هذا النحو الأرقى ليس مقدرة غريزية او إشراقا فجائيا، بل هو مسلسل تدريجي بطيء يمر أولا عبر إدراك وحدة الجسم الذي ينفصل به الكائن عما عداه، وعبر العلاقة مع الغير.
والآن مالذي يمكن أن يستفاد من المقاربة الفلسفية للشخص ولجوهر الشخصية؟
يستفاد أولا أن الشخصية - قبل كل تحديد - هي ذات مفكرة واعية قوامها الأنا الذي يمثل جوهرها البسيط الثابت والمطلق، ويستفاد من جهة ثانية أن الإنسان كائن مسؤول أخلاقيا وقانونيا بسبب خاصية الوعي وماتستتبعه من إرادة، بحيث يقول هيغل: "الشخصية هي الذات التي يمكن أن تنسب إليها مسؤولية أفعالها". ويستفاد أخيرا مع كانط بأن الإنسان هو أكثر من مجرد معطى طبيعي، إنه ذات لعقل عملي أخلاقي يستمد منه كرامة أي قيمة داخلية مطلقة تتجاوز كل تقويم أو سعر. مادم هذا العقل ومقتضياته كونيا، فإن الأنسانية جمعاء تجثم بداخل كل فرد مما يستوجب معاملته كغاية لاكوسيلة والنظر إليه كما لو كان عينة تختزل الإنسانية جمعاء. ولعل هذه المعاني الأخيرة هي نفسها التي نجدها حاضرة بقوة في مختلف إعلانات ومواثيق حقوق الإنسان. كما أنها الأساس الفلسفس المعتمد عند وصف جرائم الحرب والإبادة بجرائم " ضد الإنسانية".
من الواضح أن المقاربة الفلسفية تركز على البعد العام المجرد والمشترك في الشخصية، بل في كل شخصية. وذلك لتأسيس نتاءج أنطلوجية وأخلاقية لاحقة. بيد أن هذه المقاربة لاتسمح لنا بأن نفهمسبب اختلاف وتنوع الشخصيات بتنوع الأفراد. لابد إذن من الإنفتاح على مقاربة العلوم الإنسانية.
العوامل النفسية والإجتماعية المساهمة في بناء وتكوين الشخصية
بقليل من الإختزال يمكن القول أن الشخصية أنظمة سيكوفيزيولوجية ذات وظائف وتمظهرات مختلفة تدخل في مجال دراسة علم النفس، وبما أن هذه الأنظمة تشكل كيانا اجتماعيا مدعوا للتفاعل مع المحيط الإجتماعي فإنها تغدو من جهة ثانية موضوعا للعلوم ا لإجتماعية
البناء والتكوين النفسي للشخصية:
لاشك أن للإنسان حياة نفسية داخلية تعبر عن نفسها في جملة من الظواهر الحسية-الحركية، الإنفعالية والمعرفية. لكن ماالسبيل لدراسة هذا البعد النفسي؟ أين يمكن العثور عليه؟
على هذا السؤال تجيب المدرسة الشعورية بأن الشعور هو الساحة التي تجري فيها وقائع الحياة النفسية، وعليه فكل الخبرات النفسية هي بالتعريف خبرات شعورية يطالها الوعي من خلال فعل الإستبطان. غير أن المدرسة السلوكية الحريصة على تحديد تحديد موضوع لعل النفس يكون قابلا للدراسة والوصف والقياس الدقيق استبعدت الشعور نظرا لطابعه الغامض غير الدقيق واستعاضت عنه بمفهوم السلوك باعتباره مجموعة ردود الأفعال المتسقة على المثيرات الخارجية، وما الشخصية سوى نتاجا نهائيا لأنظمة عادات الفرد التي يمكن اكتشافها عبر ملاحظات تمتد لفترات طويلة نسبيا. ولقد استلهم السلوكيون أعمال علماء اهتموا بدراسة الأنشطة العصبية والنفسية للحيوان مثل بافلوف، طورنديك وموران، ويفهم من ذلك أن السلوكية تميل إلى اعتبار الإنسان مجرد نظام طبيعي خاضع لقوانين يمكن اكتشافها مما يسمح بالتنبؤ بسلوك الإنسان وتوجيهه ومن ثم توجيه شخصيته مثلما أعلن ذلك واطسون. وبالفعل فقد حققت السلوكات بعض النجاح في مجال التعليم والتربية وفي مجال علاج بعض الأمراض عن طريق تقنيات مثل : فصل الإشراط، تقنية التنفير، الكبح المتكافئ وغيرها...
بيد أن مدرسة التحليل النفسي هي التي سلطت أضواءا كاشفة جديدة على البعد النفسي النفسي للشخصية وأثارت أكبر قدر من الجدل والإهتمام في أوساط علم النفس خاصة والفلسفة عامة، وذلك لأن مؤسسها سغموند فرويد ( - ) قد شدد على مفهوم اللاشعور عوض السلوك أو الشعور وربط التكوين النفسي للشخصية بمرحلة الطفولة ونظر إلى أنشطة الجهاز النفسي كتصريف لطاقة الليبيدو.
فإذا كان علم النفس قبل-ال فرويدي يطابق بين النفسي والشعوري فأن التحليل النفسي لايرى في الشعوري سوى حيز ضئيل من النفسي، في حين يحتل اللاشعور القسم الأعظم من الحياة النفسية بما يضمه من خبرات نفسية ورغبات وذكريات تؤثر في الأداء النفسي للشخصية دون وعي الشخص أو علمه. وقد استدل فرويد على وجود اللاشعورمن خلال ممارسته الإكلينيكية وخصوصا علاجه لبعض الأمراض العصابية كالهيستيريا والوسواس ومن خلال تحليل الأحلام التي وصفها بالطريق الملكي إلى اللاشعور ومن خلال دراسته لفلتات اللسان وزلات القلم والنكات... وفي علاقة مع اللاشعور أكد فرويد على وجود طاقة محركة للجهاز النفسي سماها بالليبيدو تضم الغرائز والدوافع الحيوية وعلى رأسها الدافع الجنسي . وما أنشطة الإنسان المختلفة وحضارته سوى تصريف مباشر أو غير مباشر لهذه الطاقة كما يحدث مثلا في عملية التسامي من خلال الإبداع الفني أو التنافس الرياضي...
عند استعراضنا لدلالات مفهوم الشخصية نعثر على نمطين من التعاريف: نمط أول تتخد فيه الشخصية معنى مجردا و عاما يجعلها خاصية كائن يكون شخصا اخلاقيا وقانونيا مسؤولا (كقولنا: لكل شخص الحق في ...)ومنه حديث القانونيين عن شخصية طبيعية أو معنوية؛ ونمط ثان يتخد فيه المفهوم معنى محسوسا يركز على خصوصية الفرد باعتبارها تنظيما فريدا لمجموعة من الوظائف الجسمية، النفسية والإجتماعية ويتجلى هذاالتنظيم من خلال اسلوب الفرد في الحياة و يرتبط بسيرته و تاريخه ( كقولنا شخصية عمرو او شخصية زيد مثلا )
ينتمي النمط الاول من التعاريف الى المجال الفلسفي وينزاح مفهوم الشخصية نحو مفهوم الشخص دلالة على الطابع التجريدي الكوني فكانط يرى "ان الشخص هو الذات التى يمكن ان تنسب اليها مسؤولية افعالها وهي قدرة الشخص على الوعي بما هو ثابت خلف الحالات المتغيرة لوجوده "؛ أما هيجل فيعتبر ان الشخصية لا تبدأ إلا حين تعي الذات نفسها لا كمجرد أنا محسوسة محددة كيفما اتفق و إنما باعتبارها أنا مجردة تجريدا خالصا".
أما النمط الثاني من تعاريف الشخصية فينتمي الى مجال العلوم الانسانية كما عبر عنه "البورت" في قوله: " الشخصية هي التنظيم الدينامي للانظمة السيكوفيزيولوجية التي تحدد تكيف الفرد بشكل أصيل مع محيطه". هنا تصبح الشخصية بناءا أو نموذجا نظريا وعلميا يسمح بفهم كل ما يتميز به شخص معين من خصائص؛ و يستنتج من تعريف البورت أيضا بأن الفرد عبارة عن أنظمة او أجهزة نفسية و فيزيولوجية متداخلة تسعى الى التكيف و التفاعل مع محيطها الطبيعي و الإجتماعي، وعليه ينبغي البحث عن سر تمايز شخصيات الافراد في تمايز أشكال انتظام و تكيف أنظمتهم السيكوفيزيولوجية مع المحيطين الطبيعي و الاجتماعي.
هناك اذن مقاربتان للشخصية: مقاربة فلسفية إن صح القول ومقاربة العلوم الإنسانية. لذا سنتساءل في مرحلة أولى عما يجعل الكائن البشري شخصا أي أكثر من مجرد عضوية حية وأكثر من مجرد ركام من الوظائف السيكوفيزيولوجية؟ مالذي يجعله كائنا أخلاقيا أخلاقيا ؟ وبعبارة أخرى كيف تتحدد شخصية الفرد من خلال نظام الشخص؟
غير أننا بهذه الأسئلة نكتفي بالبحث عن العام والمشترك بين البشر، والحال أن الفرد أيضا كائن "فريد" بتركيبته النفسية وتفاعلاته الإجتماعية والتي تتمظهر في سلوكاته أو مواقفه أو اختياراته، لذا سنتساءل في مرحلة ثانية : كيف يتحدد البناء النفسي والإجتماعي للشخصية ؟ أو ماهي العوامل السيكولوجية والسوسيوثقافية المساهمة في بناء وتكوين الشخصية؟
ولايخفى أن البحث عن هذه العوامل بالنسبة للعلوم الإنسانية إنما يعني البحث عن محددات موضوعية قابلة للدراسة والتحديد العلميين، وهنا يطرح السؤال: ألا يعني الحديث عن عوامل ومحددات مشكلة لنمط الشخصية نفيا لدور الشخص في بناء شخصيته واختفاؤه كوعي وإرادة وحرية؟
>
الشخص كجوهر للشخصية
قد نعثر في المتن الفلسفي عبر تاريخ الفلسفة على شذرات متناثرة هنا أو هناك حول الطباع والأمزجة والإنفعالات الإنسانية وعلاقة الفرد بالجماعة، بيد أن الذي استأثر بإهتمام الفلسفة كان هو البحث عما يجعل الكائن البشري أكثر من مجرد عضوية بيولوجية مستقلة: هكذا انصب الإهتمام على الماهية التي تخص الإنسان و الجوهر الذي يظل ثابتا رغم تغيرات الجسم وأحوال النفس وانفعالاتها. وفي هذا الإطار بندرج تمييز ابن سينا بين بين عنصر متغير ومتحلل هو الجسم وعنصر ثابت مستمر هو النفس وذلك في قوله: " تأمل أيها العاقل أنك اليوم في نفسك هو الذي كان موجودا جميع عمرك حتى إنك تتذكر كثيرا مما جرى من أحوالك، فأنت إذن ثابت مستمر لاشك في ذلك وبدنك وأجزاؤه ليس ثابتا مستمرا بل هو أبدا في التحلل والإنتقاص..." والواقع أن ابن سينا يشير هنا إلى ظاهرة "الوعي بالذات" التي تصاحب مختلف حالات الوجود البشري بحيث تمنح الفرد شعورا بهويته وأناه وبثباتها.ويتجلى هذا واضحا في شعور الفرد داخلياً وعبر حياته باستمرار وحدة شخصيته وهويتها وثباتها ضمن الظروف المتعددة التي تمر بها، كما يظهر بوضوح في وحدة الخبرة التي يمر بها في الحاضر واستمرار اتصالها مع الخبرة الماضية التي كان يمر بها. وهو نفس الوعي الذي اعتمدعليه ديكارت في " الكوجيطو" وخصوصا وعي الذات بفعل التفكير الذي تنجزه في لحظة الشك أي الوعي بالطبيعة المفكرة للذات التي تقابل عند ديكارت طبيعة الإمتداد المميزة للجسم.
ومن الجدير بالذكر أن الوعي بالذات على هذا النحو الأرقى ليس مقدرة غريزية او إشراقا فجائيا، بل هو مسلسل تدريجي بطيء يمر أولا عبر إدراك وحدة الجسم الذي ينفصل به الكائن عما عداه، وعبر العلاقة مع الغير.
والآن مالذي يمكن أن يستفاد من المقاربة الفلسفية للشخص ولجوهر الشخصية؟
يستفاد أولا أن الشخصية - قبل كل تحديد - هي ذات مفكرة واعية قوامها الأنا الذي يمثل جوهرها البسيط الثابت والمطلق، ويستفاد من جهة ثانية أن الإنسان كائن مسؤول أخلاقيا وقانونيا بسبب خاصية الوعي وماتستتبعه من إرادة، بحيث يقول هيغل: "الشخصية هي الذات التي يمكن أن تنسب إليها مسؤولية أفعالها". ويستفاد أخيرا مع كانط بأن الإنسان هو أكثر من مجرد معطى طبيعي، إنه ذات لعقل عملي أخلاقي يستمد منه كرامة أي قيمة داخلية مطلقة تتجاوز كل تقويم أو سعر. مادم هذا العقل ومقتضياته كونيا، فإن الأنسانية جمعاء تجثم بداخل كل فرد مما يستوجب معاملته كغاية لاكوسيلة والنظر إليه كما لو كان عينة تختزل الإنسانية جمعاء. ولعل هذه المعاني الأخيرة هي نفسها التي نجدها حاضرة بقوة في مختلف إعلانات ومواثيق حقوق الإنسان. كما أنها الأساس الفلسفس المعتمد عند وصف جرائم الحرب والإبادة بجرائم " ضد الإنسانية".
من الواضح أن المقاربة الفلسفية تركز على البعد العام المجرد والمشترك في الشخصية، بل في كل شخصية. وذلك لتأسيس نتاءج أنطلوجية وأخلاقية لاحقة. بيد أن هذه المقاربة لاتسمح لنا بأن نفهمسبب اختلاف وتنوع الشخصيات بتنوع الأفراد. لابد إذن من الإنفتاح على مقاربة العلوم الإنسانية.
العوامل النفسية والإجتماعية المساهمة في بناء وتكوين الشخصية
بقليل من الإختزال يمكن القول أن الشخصية أنظمة سيكوفيزيولوجية ذات وظائف وتمظهرات مختلفة تدخل في مجال دراسة علم النفس، وبما أن هذه الأنظمة تشكل كيانا اجتماعيا مدعوا للتفاعل مع المحيط الإجتماعي فإنها تغدو من جهة ثانية موضوعا للعلوم ا لإجتماعية
البناء والتكوين النفسي للشخصية:
لاشك أن للإنسان حياة نفسية داخلية تعبر عن نفسها في جملة من الظواهر الحسية-الحركية، الإنفعالية والمعرفية. لكن ماالسبيل لدراسة هذا البعد النفسي؟ أين يمكن العثور عليه؟
على هذا السؤال تجيب المدرسة الشعورية بأن الشعور هو الساحة التي تجري فيها وقائع الحياة النفسية، وعليه فكل الخبرات النفسية هي بالتعريف خبرات شعورية يطالها الوعي من خلال فعل الإستبطان. غير أن المدرسة السلوكية الحريصة على تحديد تحديد موضوع لعل النفس يكون قابلا للدراسة والوصف والقياس الدقيق استبعدت الشعور نظرا لطابعه الغامض غير الدقيق واستعاضت عنه بمفهوم السلوك باعتباره مجموعة ردود الأفعال المتسقة على المثيرات الخارجية، وما الشخصية سوى نتاجا نهائيا لأنظمة عادات الفرد التي يمكن اكتشافها عبر ملاحظات تمتد لفترات طويلة نسبيا. ولقد استلهم السلوكيون أعمال علماء اهتموا بدراسة الأنشطة العصبية والنفسية للحيوان مثل بافلوف، طورنديك وموران، ويفهم من ذلك أن السلوكية تميل إلى اعتبار الإنسان مجرد نظام طبيعي خاضع لقوانين يمكن اكتشافها مما يسمح بالتنبؤ بسلوك الإنسان وتوجيهه ومن ثم توجيه شخصيته مثلما أعلن ذلك واطسون. وبالفعل فقد حققت السلوكات بعض النجاح في مجال التعليم والتربية وفي مجال علاج بعض الأمراض عن طريق تقنيات مثل : فصل الإشراط، تقنية التنفير، الكبح المتكافئ وغيرها...
بيد أن مدرسة التحليل النفسي هي التي سلطت أضواءا كاشفة جديدة على البعد النفسي النفسي للشخصية وأثارت أكبر قدر من الجدل والإهتمام في أوساط علم النفس خاصة والفلسفة عامة، وذلك لأن مؤسسها سغموند فرويد ( - ) قد شدد على مفهوم اللاشعور عوض السلوك أو الشعور وربط التكوين النفسي للشخصية بمرحلة الطفولة ونظر إلى أنشطة الجهاز النفسي كتصريف لطاقة الليبيدو.
فإذا كان علم النفس قبل-ال فرويدي يطابق بين النفسي والشعوري فأن التحليل النفسي لايرى في الشعوري سوى حيز ضئيل من النفسي، في حين يحتل اللاشعور القسم الأعظم من الحياة النفسية بما يضمه من خبرات نفسية ورغبات وذكريات تؤثر في الأداء النفسي للشخصية دون وعي الشخص أو علمه. وقد استدل فرويد على وجود اللاشعورمن خلال ممارسته الإكلينيكية وخصوصا علاجه لبعض الأمراض العصابية كالهيستيريا والوسواس ومن خلال تحليل الأحلام التي وصفها بالطريق الملكي إلى اللاشعور ومن خلال دراسته لفلتات اللسان وزلات القلم والنكات... وفي علاقة مع اللاشعور أكد فرويد على وجود طاقة محركة للجهاز النفسي سماها بالليبيدو تضم الغرائز والدوافع الحيوية وعلى رأسها الدافع الجنسي . وما أنشطة الإنسان المختلفة وحضارته سوى تصريف مباشر أو غير مباشر لهذه الطاقة كما يحدث مثلا في عملية التسامي من خلال الإبداع الفني أو التنافس الرياضي...